فارس جميل

فارس جميل

ضابط أمن بصنعاء: لن نقاتل من أجل الكهنوت

Sunday 10 June 2018 الساعة 10:50 pm

قبل أيام جاء صديقي الضابط المخضرم في العقد السادس من العمر لتوديعي، وبعد مرور أقل من 42 ساعة على عناقي الأخير له وصلني خبر مقتله في جبهة الساحل الغربي، قال ضابط الأمن لنيوز يمن، وهو يخرج الكلمات بصعوبة، حيث إن مشرف جماعة الحوثيين طلب منه الاستعداد للذهاب إلى الحديدة للقتال، وهو لا يستطيع الرفض، ولا يستطيع الموافقة أيضاً، لأن الذهاب إلى هناك يعني الذهاب إلى الموت الحتمي كما قال، وهو يعرض تجربة زميله الذي ودعه قبل أيام.

حصل على رتبة عقيد بعد عقود من الخدمة في قطاع الأمن العام، وبعد أن تم منحه منصباً إدارياً يتناسب مع رتبته جاء الحوثيون في 2015 وعينوا أحد أتباعهم بدلاً عنه، ليظل دون عمل حقيقي، سوى امتهان الدوام اليومي الإجباري دون راتب ولا حتى احترام لضوابط العمل الأمني والأقدمية، ليأتي مسؤول جديد بدرجة لواء دون أية خبرة ولا أي مؤهل ليتلاعب في قرارات المؤسسة الأمنية، كما قال.

لديّ أسرة كبيرة أقوم ببعض الأعمال الخاصة لإعالتها بصعوبة بالغة بعد توقف المرتبات، ويسبب لي عملي حرجاً لدى أقاربي ومن أعرف من الأصدقاء، فهم يعتبرون عمل ضابط يحمل رتبة عالية أمراً مهيناً، لكني مؤمن بشرف العمل والكسب الحلال رغم عدم اعتيادي عليه من قبل، إلا أنه أشرف من سرقة المواطنين وإهانتهم وابتزازهم كما يقوم به كثير من رجال الأمن انضموا للجماعة.

لقد قمنا بخيانة القسم حين قبلنا بهم في مؤسساتنا، لكننا كنا نراهن على الزعيم وتحملنا في انتظار اللحظة الحاسمة التي سيقرر فيها التخلص منهم، وكنا على يقين بذلك، لكن الأحداث كما تعرف أخذت مسارات مختلفة وكارثية، وها نحن ندفع ثمن مواقفنا غير المدروسة والزعيم دفع الثمن الأكثر مأساوية، ولابد أن تأتي أدوارنا بعده.

إما أن نوافق على الذهاب إلى معركة خاسرة وغير شريفة، تعزز قبضة الجماعة على أعناقنا، وتضعنا وجهاً لوجه مع إخواننا اليمنيين في الطرف الآخر، وإما أن نوضع في خانة الخيانة والمرتزقة من قبل الجماعة هنا، وهذا بذاته تهديد لحياتنا وحياة أبنائنا، نحن في وضع لا نحسد عليه.

يفترض أن أحال للتقاعد بحكم سني وسنوات خدمتي، لكني أتفاجأ بأن عليّ العودة إلى البداية وخوض تجربة الموت دون شرف ولا كرامة ولا انتصار، إلا خدمة جماعة سرقت البلاد وقتلت العباد باسم الله وخرافة الولاية وتحت غطاء الوطنية والصمود.

حضرنا معهم ما يسمونه دورات ثقافية وتحملنا كل السخافات التي صبوها على أسماعنا لأيام في أماكن معزولة عن العالم، ولا نعرف أين تقع، مجرد محاضرات كراهية وتقديس للأصنام البشرية الجديدة، وقلنا نرضيهم ونحافظ على خيط العلاقة معهم حفاظاً على حياتنا أما أرزاقنا فقد قطعوها، لكن لم يكتفوا بذلك، ولن يكتفوا من دمائنا وكرامتنا، لأن دورهم وهدفهم هو الموت للجميع إلا هم وأتباعهم.

سكتنا عن دورنا في حماية المواطن، وشاهدناه وهو يتعرض لأسوأ أنواع التعذيب على أياديهم وأيادي ضباط أمن انضموا إليهم رغبة ورهبة، وهذا جزاؤنا الذي نستحقه، فمن يسكت عن كرامة اليمني يصل الدور لإهانة كرامته مهما اعتقد أنه بمنأى.

سرد الضابط كل ما يجول بخاطره، ليقوم بتذكيري بين وجع وآخر أنه لا جدوى من النشر في الإعلام، لأنهم لا يقرأون ولا يحترمون أي رأي مخالف لهم، وبالعكس لو مسكوا أي خيط يدل على المتحدث لكان مصيره أكثر قسوة وبشاعة من فلسطيني وقع في يد جنود الاحتلال، كما قال.

أصبح لديّ أحفاد أخاف على مستقبلهم، أما ابني الوحيد فقد مات منذ سنوات والحمد لله أنه مات قبل أن يرى ما وصلنا إليه، ودون أن يعاني ما نعانيه ويعانيه البلد اليوم.

كل يوم أنظر إلى حفيدتي الصغيرة وتمتلئ عيني بالدموع، لأني لم أترك لها شيئا تعيش عليه لو قدر الله لي أن أموت أو أقتل، وحاشا لله أن أقوم بقتل يمني يصحح الخطأ الذي وقعت فيه بالتعايش مع هذه الجماعة حتى وصلت إلى جبروتها الراهن.

مشكلتنا أننا بلا دولة، ولو عادت الدولة اليوم لسلمت نفسي للمحاكمة لأني خنت القسم وقصرت في أداء واجبي، وإن كان تحت الضغط والإكراه، لكن الشرعية لا تختلف كثيرا عن الحوثيين الذين انقلبوا عليها.

سأنتظر قدري، وأرجو أن تنتهي معركة الحديدة قبل أن تلتهم المزيد من اليمنيين، فلو تعلم عدد من قتلوا فيها حتى الآن من ضباط وجنود الأمن لأصبت بالصدمة، فهؤلاء ضموهم مؤخراً إلى قافلة الموت، فما هو مصير زملائنا من الجيش، لابد أنه أكبر بكثير، وإن أخفوا أعداد الضحايا اليوم فسوف يظهر غداً.

انتبه تذكر اسمي، أو إدارتي، ولو لا قدر الله لم أستطع مقاومة ورفض توجيهاتهم بالذهاب للجبهة، فلن أقتل أحداً، ولن ارتكب جريمة في حق يمني من أجل الكهنوت، بل قد أنضم إلى الجبهة الأخرى، لو انعدمت الخيارات الأخرى، وأتمنى عليكم أن تعملوا مستقبلاً على إعادة ثقة الشعب برجال الأمن فهم مجبرون وليس هناك من يدافع عنهم ولا عن أسرهم وأطفالهم لو واجهوا هذه الجماعة، لكنها لن تستمر وتذكر عني هذا حتى بعد موتي.