خلال الأسابيع الماضية، لاحظ الجميع كم التحركات الدولية والضغوط التي تزعمتها العديد من الدول في الخفاء والعلن بهدف إيقاف العملية العسكرية الهادفة لتحرير الحديدة من سيطرة الحوثي، وتابعنا جميعاً الاجتماعات التي عقدها مجلس الأمن الدولي والزيارات التي قام بها المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى صنعاء وعواصم مختلفة، خلال أسابيع.
مبدئياً، دعونا نقر أن هذه التحركات فرضت حالة من التهدئة المؤقتة للعمليات العسكرية، كما قال التحالف وتصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، كفرصة لجهود المبعوث الدولي بإقناع الحوثيين بالانسحاب من الحديدة سلماً مقابل تأمين الانسحاب، بينما استمرت المواجهات جنوب الحديدة جراء الهجمات الحوثية أو عمليات قوات الجيش والمقاومة لتأمين مواقع جديدة.
المبعوث الأممي تحدث في مقابلة إذاعية، الأسبوع الماضي، عن نجاحاته في ثلاث نقاط: منع وقوع هجوم كبير في الحديدة، وانتزاع موافقة حوثية بدور للأمم المتحدة في الميناء، والثالثة هي استمرار مسار المفاوضات، حول القضية ذاتها. وليس هناك من شك، أن ما يتعلق بالإدارة الأممية للميناء أو التنازلات الحوثية، ليست الا بالوقت الضائع، واعتبارها إنجازاً، أمر لا يخص سوى الأمم المتحدة التي تبحث عن دور في واقع تجاوز ذلك بكل ما تعنيه الكلمة.
تابعنا الحوثيين يحفرون الخنادق ويرسلون التعزيزات تلو التعزيزات إلى الحديدة، خلال الفترة التي تمثل تهدئة من جانب التحالف على الأقل، وهي الأسبوعان الأخيران، وحتى حملات التجنيد مستمرة، والحوثي لم يعلن سوى النصر، ويزعم أن ميليشياته أوقفت التقدم وغيرها من الادعاءات الإعلامية.
هذا يتطلب تساؤلات كثيرة: ما الذي استطاعت فعله الجهود الدولية ممثلة بالمبعوث ومن ورائها أمريكا وبريطانيا ونحوهما؟ هل بالفعل نجحت بتجنيب الحديدة الحرب التي تهدد المدنيين والوضع الإنساني كما تقول؟ أم أنها وربما - بحسن نية - منحت الحوثي فرصة للتعزيز في الحديدة بما يكفي لإلحاق أضرار في المدينة.
هل الغرب يخدم الحوثي؟ ولماذا لم تعمل هذه الدول الغربية التي ساهمت بالتأثير على وتيرة العمليات، على وقف الحرب التي يدفع بالعشرات من عناصره ومن المغرر بهم إليها يومياً منذ سنوات؟
صحيح أن الحوثي نجح بالدفع بتعزيزات، ولكن إلى معركة شبه محسومة في نهاية المطاف! وبالتالي فإن ما حدث هو زيادة الكلفة حتى عليه نفسه، وإن توهم مؤقتاً أنه حصل على فرصة لترتيب دفاعاته، التي لن تصمد في النهاية.
الغرب لا يخدم الحوثي في الحديدة، ولكن هناك من يراه أداة مناسبة للحرب التي يربح فيها ببيع الأسلحة وتحقيق أهداف وطموحات استراتيجية، أما الحوثي فخاسر لا محالة، بوجه الكم الكبير من الإجماع اليمني والإقليمي في وجهه، وحتى الاتفاقات الهشة، هي حرب مؤجلة بصورة أشد لن يربح فيها الحوثي مهما استطاع أن يلحق خسائر بالآخرين.