من تابع الخطاب الأخير للعميد طارق محمد عبدالله صالح، قائد قوات المقاومة الوطنية، لن يجد صعوبة في استقراء حقائق وصدقية المواقف التي احتواها الخطاب والرسائل التي أراد طارق صالح إيصالها من خلاله.
بادىء ذي بدء فإن خطاب طارق صالح القائد العسكري يمثل تحولاً جديداً في مسار التغيرات والتبدلات التي تشهدها الساحة الوطنية منذ انتفاضة الثاني من ديسمبر التي قادها الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق، رئيس المؤتمر الشعبي العام، ضد حكم الكهنوت الحوثي والتي دفع ثمناً لها حياته وحياة رفيق دربه الشهيد عارف الزوكا الأمين العام للمؤتمر وثلة من الضباط والجنود والقيادات المؤتمرية.
الخطاب أظهر طارق صالح الجندي والضابط - الذي يقود معركة عسكرية إلى جانب رفاق دربه ضد حكم العصابة الحوثية – بمظهر القائد الذي ينطلق في اتخاذ قراره من منطلقات وطنية بحتة تقوم على إدراك لخطر استمرار هذه العصابة في السيطرة على مؤسسات الدولة والحكم ومواصلة تنفيذ مشروعها في الاستيلاء على السلطة وفقاً لنظرية مذهبية سلالية طائفية ماضوية مستندة إلى أباطيل ودعاوى ما أنزل الله بها من سلطان.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد حرص طارق أن يظهر في خطابه الهوية الوطنية الواحدة، جغرافياً وبشرياً، من خلال إشادته بعدن واحتضانها للمقاومين للكهنوت الحوثي على غرار احتضانها لحركة التحرر الوطني ضد النظام الإمامي الكهنوتي والاستعمار البريطاني خلال القرن العشرين المنصرم، وهو الأمر الذي مكّن كل محافظات الجنوب من أن تتطهر من رجس الحركة الحوثية وتكون اليوم منطلقاً لمواصلة مشروع التخلص منها في مختلف مناطق ومحافظات اليمن، وصولاً إلى عاصمة اليمن صنعاء، فضلاً عن مزج المفهوم الوطني للمعركة ضد الحوثي ببعد آخر يتمثل في إبراز التوحد اليمني عسكرياً ونضالياً ضد هذه الفئة من خلال المقاومة المشتركة التي تضم (حراس الجمهورية وألوية العمالقة وقوات مقاومة تهامة) في بوتقة واحدة هدفها مواصلة معركة تخليص الشعب من نير الكهنوت الحوثي وشره المستطير.
سيحسب التاريخ لطارق صالح أنه وهو يقود مع بقية المقاومين معركة التحرير ضد الحركة الحوثية لم يكتف بتقديم روحه في سبيل تحقيق هذا الهدف، بل تجاوز ذلك إلى موقف لا يمكن أي يقدم عليه أي شخص إلا إذا كان يملك من الشجاعة والبسالة ما لا يملكه الآخرون، فنجله الأكبر (عفاش) وشقيقه (محمد) وأبناء عمه الشهيد صالح (مدين وصلاح) وبعض أقاربه أسرى لدى عصابة الحوثي، ومع ذلك فإن طارق صالح آثر أن يخوض معركة الخلاص من الحركة الحوثية العنصرية، غير عابىء أو ملتفت لحجم التضحية التي قد تنجم عن ذلك فيما يخص نجله وأقاربه الأسرى لدى الحوثيين، وهو ما لا يمكن تفسيره سوى بأنه تضحية من أجل الوطن تتجاوز المصلحة الشخصية، بل وتقدم العائلة قرابين في محراب الخلاص من عنصرية حكم كهنوتي يذيق الشعب ويلات القهر والتسلط والنهب والفساد، وفوق ذلك التكبر والغرور والعنجهية وادعاء أفضلية النسب عن بقية البشر، وهو ادعاء جاءت كل الرسالات السماوية لتقضي عليه من خلال مفهوم المساواة، كما نص على ذلك القران الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، وقامت كل الثورات البشرية لتحاربه وتنهيه.
لقد حرص طارق، وهو يخطب في الجنود الذين سيذهبون لخوض معركة جديدة من معارك تحرير الناس من ظلم وسلطة الحوثي الباغية، أن يرسل رسائل تتجاوز الداخل ليؤكد أن اليمن كانت وستظل عربية ولا يمكن أن تصبح في أي يوم تابعة لمشروع يقوده الفرس أو العثمانيون الذين يسعون للهيمنة على العرب بدعمهم لمشاريع الفوضى المليشاوية التي تقودها حركات الإسلام السياسي سواءً أكانت شيعية أم سنية، أجاءت بعمامة الحوثي العنصري، أم بجلباب الإخواني الإقصائي، بمزاعم الإمامة الكاذبة، أم دعاوى الخلافة الباطلة.
ما سبق مجرد قراءة سريعة لمضامين خطاب القائد طارق صالح الذي يثبت بظهوره بين الفينة والأخرى أننا أمام قائد عسكري استثنائي يقود تحولاً استراتيجياً في المعركة الوطنية للتخلص من عصابة الحوثي الكهنوتية وإعادة اليمن، شعباً وجغرافياً وثقافة ودولة، إلى جمهوريته ونظامها الديمقراطي، ودولته القائمة على المواطنة المتساوية، والحرية والدستور والقانون، وإعادته إلى محيطه العربي وتموضعه في نطاقه الإقليمي والجغرافي الذي كان وسيظل مسنوداً بأشقائه وسنداً لهم.