* حتى الآن، لا يزال الجهد المبذول في مواجهة الحوثيين، ينطلق من نظرة لا تستطيع أن ترى فيهم أكثر من مشكلة خلقتها إيران لتهديد أمن السعودية.
انضم خصوم الحوثي اليمنيون أفواجاً إلى مجموعة الحوافز والاعتبارات السعودية والخليجية لخوض حرب استباقية في اليمن لقطع ما يعتبرونها ذراع إيران وأحد مرتكزاتها التوسعية. (طبعاً إلى جانب انقسام وتعدد الأجندات وتباينها وعدم وجود قيادة سياسية موحدة حاذقة وفعالة وحيوية وتحظى بالشرعية والجاذبية الكافية لحشد وتعبئة الطاقات).
ردة الفعل اليمنية ألحقت نفسها بالاستجابة السعودية لخطر تعتقد أنه يهدد أمنها.
لم تتبلور بعد ردة فعل يمنية بأفق وطني خالص تتعامل مع الحوثيين كمشكلة يمنية بالدرجة الأولى ثم يأتي البعد الإقليمي والدولي ثانياً. وبمقدورها أن تستفيد من الدعم السعودي، لكنها في المقابل تحتفظ بإرادة فعل مستقلة بعض الشيء وإن لم تكن بالضرورة متعارضة مع مصالح وهواجس المملكة.
لقد نشأ نوع من الاتكال الذي يخفي تحته الاعتقاد بأن السعودية هي المعنية تحديداً بمصير الحوثي وأن القضية هي قضيتها في حين أن اليمنيين الموالين لها ينتمون إلى رؤية للأحداث من وجهة نظر السعودية وأمنها واولوياتها.
* من الملاحظ إبراز دور التشكيلات ذات البناء الجهوي (الجنوب) والمناطقي (تهامة) والتقليل من شأن التشكيلات التي لا تعمل على تعريف نفسها مناطقيا ولا جهويا.
الوطنية اليمنية التقليدية ليست كما يبدو محل تقدير واعتبار من قبل القوى المؤتلفة في قتال الحوثيين تحت مظلة التحالف بقيادة السعودية. وهذه القوى لم تبلور بعد مفهوما بديلا للوطنية التي يمكنها أن تتساكن مع نزعات التفكيك وعمليات التأطير والمأسسة للانتماءات والولاءات المحلية.
* لا يمكن للتعاليم والأفكار الدينية المذهبية الحوثية، بما في ذلك فكرة الإمامة والولاية، أن تشكِّل، بمفردها، قوّة إقناع ودفع وتحفيز للقتال والاستشهاد. كل هذه المواضيع، لا تمتلك السمة الكفيلة بجعلها محرّكاً معنوياً فعّالاً للأفراد ليذهبوا بمحض إراداتهم إلى حتوفهم في جبهات الحرب.
فكرة "الإمامة"، مثلاً، ليست ذات قيمة تعبوية إلّا بإضافتها -مُموَّهة- داخل مزاعم نضالية وطنية كبرى، يتم إطلاقها ضمن مناخ ملائم يضم كل ما تحتاجه مثل هذه المزاعم لكي تحصل على شيء من المصداقية وبعض التأثير لدى أعداد من فئات وقطاعات مختلفة. المزاعم الوطنية تُستخدَم بمثابة طُعم لاصطياد الأفراد إلى شِبَاك تنظيم "الولاية".
لهذا السبب يمارس الحوثيون استراتيجية دعائية متعددة المستويات، ويقدمون خطاباً مركباً من عناصر مختلفة.
"الإمامة" يجري تثبيتها بقوة السلاح والغلبة كواقع سياسي، بينما هي تحضر كخطاب في عملية حشد وتنظيم وتثقيف المقاتلين، على شكل إشارات مرمزة تُشدّد على مكانة آل البيت ودورهم الخاص ومظلوميتهم وأحقيتهم بالولاية العامة دوناً عن غيرهم.