جلال محمد

جلال محمد

رحلت "أمل" بنفس الطريقة التي سبقتها إليها "هند"

Saturday 03 November 2018 الساعة 08:52 pm

تصدرت وفاة الطفلة اليمنية "أمل حسين" الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن لفتت أنظار الإعلام والرأي العام العالمي إليها لتلخص بوفاتها الظروف المأساوية التي يعيشها اليمنيون بسبب الحرب المحتدمة في اليمن منذ ما يقارب أربعة أعوام.

أمل حسين ذات ال 7 أعوام، نخر الجوع جسدها كما نخره المرض أيضا، فالقيء والإسهال إلى جانب الجوع فتكا بها، ولأنها من عائلة فقيرة كغالب العوائل اليمنية تم إخراجها من المشفى الذي كانت ترقد فيه، ليتم إدخال مرضى جدد، فنقلتها عائلتها إلى كوخ من القش والاغطية البلاستيكية في مخيم تقدم فيه الاغاثات لكن حالتها تدهورت لتتوفى بعد 3 ايام فقط من خروجها من المستشفى.

أيها العالم المتباكي كذباً ونفاقاً، لقد ماتت "أمل" بالطريقة التي سبقتها إليها "هند".

الموت جوعًا هذا هو قدر الطفولة في اليمن، سواءً في مناطق السيطرة الحوثية، أو الشرعية، وكأن الزمن لم يكتف بموت الآلاف من اليمنيين جراء الحرب العبثية التي يسقوهم الحوثيون إليها، أو بسبب أخطاء الضربات الجوية التي تتخطف أرواح الأطفال.

رحلت "أمل" وقد سبقها إلى الموت آلاف من أطفال اليمن، إما بالجوع أو المرض، وكأننا أمام سباق محموم بين المجاعات والأمراض من جهة والحوثيين من جهة أخرى، ضد أطفال اليمن، فالمجاعات والأمراض تفتك بهم، والحوثي يفتك بمن تبقى عبر تجنيده للصغار وارسالهم لمحارق الموت، وكأنه لم يكتف بتسببه في الأولى أي -المجاعة وتفشي الأمراض- لم تكن أمل هي الأولى من أطفال اليمن الذين تخطفهم الجوع والمرض في ظل صراع سياسي وعسكري مرير تعيشه اليمن، فقد سبقها الآلاف من أطفال التحيتا ومناطق مختلفة من الحديدة وحجة والمحويت، لتتصدر اليمن المرتبة الأولى في معاناة الأطفال، خصوصاً وقد صنفتها الأمم المتحدة كواحدة من أسوأ البلدان عيشاً للأطفال والطفولة، وإذا أمعنا النظر ودققنا وتفحصنا الحقيقة سنجد أن اليمن باتت أسوأ مكان للعيش الآدمي في ظل الحرب وأمراء الحرب الذين يستفيدون من استمرارها.

الحقيقة التي لابد أن نعيها أن أطراف الصراع لا يأبهون بأن يموت مليون طفل جوعا، فالأمر يعود عليهم بالنفع من خلال المتاجرة بالمأساة التي تسببوا فيها، وهل لهم أن يفكروا في حياة طفل يمني أصبح أبعد ما يمكن عن الطفولة في ظل سلطة الكهنوت اللعين خصوصاً، فالطفل اليمني يكابد الحياة بصورة غاية في الصعوبة والفُقد، فهو محروم من ممارسة حياته الطبيعية والتمتع بطفولته، وكيف له أن يعيش كسائر الأطفال في العالم في ظل سلطة ترى فيه مجاهداً ومقاتلا؟!

ففي صنعاء، مثلاً، بدلاً من أن يكون في طابور المدرسة، جعلته سلطات الانقلاب منتظماً في طوابير الغاز والماء؟! فترى التعاسة على محيا الأطفال الذين حولتهم أهوال الحياة في ظل حكم جماعات الإسلام السياسي إلى "كهول" ولقنتهم العنف بكل أنواعه... لقد خلق الحوثي بغبائه وعنجهيته وسلاليته من جهة، والشرعية من جهة أخرى ألف ألف مأساة في اليمن.

وها هي أمل حسين، ماتت في منطقة تقع تحت سيطرة من يقولون أنهم يدافعون عن "كرامة" اليمني، في المناطق التي يسيطر عليها البؤس والإفقار المتعمد، المناطق التي تتعرض للانتقام السلالي والطبقي البشع على يد من يدعون أن لهم من القرآن مسيرة! كما ماتت جوعاً منذ فترة الطفلة "هند" النازحة من الحديدة إلى عدن الواقعة تحت سيطرة من يقول إنه شرعي، فأي كرامة لا توفر للإنسان قوت يومه وأبسط مقومات البقاء، هي ذل وهوان، وأي شرعية لا تؤدي واجبها تجاه رعيتها وتسد رمقهم وتراعي وضعهم وتوفر ما يتوجب عليها توفيره، فهي وجه آخر للكهنوت والظلم والإجرام.

ستظل لعنة أطفال اليمن والجرائم المرتكبة بحقهم تجويعاً وتجنيداً وتجهيلا تلاحق كل من ارتكبها على مدى التاريخ الذي نعيش أسوأ فصوله ومراحله.