جلال محمد

جلال محمد

100 على انتهاء الحرب العالمية الأولى ومازل العرب يعيشون تبعاتها

Monday 12 November 2018 الساعة 02:20 pm

احتفل العالم بالذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى، التي غيرت مجريات الأحداث والتاريخ في العالم أجمع، حيث تلاشت ممالك وامبراطوريات وظهرت أخرى، ورغم مرور مئة عام عليها إلا أن آثارها مازالت باقية ومخرجاتها مازالت قائمة، ولنا نحن في المنطقة العربية نصيب الأسد من مخرجات تلك الحرب ومؤامراتها والنصيب الأكبر للخدعة الكبرى التي تعرضنا لها من الاستغلال "البريطاني" للسذاجة والطمع العربي وقادة الثورة العربية الكبرى آنذاك، فجعلت منهم بيدقاً بيدها ينفذ ما تطلبه منهم، مقابل وعد وهمي هو إنشاء "المملكة العربية الكبرى".

انتهت الحرب العالمية الأولى، نعم.. ولكننا ما زلنا نتجرع مرارة الغدر الذي طالنا، والمخطط الذي قسم منطقتنا العربية وفتتها والمتمثل في مخطط "سايكس بيكو" الذي بموجبه تقسمت المنطقة العربية بين المستعمرين الأوربيين، وما ارتكبته المملكة البريطانية في نهايات الحرب من جريمة تاريخية متمثلة بمنح وزير خارجيتها آنذاك "بلفور" وعداً لإقامة موطن قومي لليهود في أرض فلسطين، ليوجه صفعة أخرى للحكام العرب الذين فقدوا الكثير ومازالوا يفقدونه لليوم، بسبب الخنوع والتماهي مع مخططات التفتيت بسبب ذات النزعة المتمثلة في الخيانه البينية والجشع والحقد.

ومن يتتبع ما يجري في المنطقة العربية من حروب وصراعات وتجاذبات وما تعرفه عديد الدول من دمار وحروب أهلية يندرج كله تحت عنوان كبير: «التقسيم وإعادة التشكيل» كاستمرار لما يسمى "سايكس بيكو"، ووصولا لإنجاز الحلم الأمريكي ـ الصهيوني القاضي بإرساء «شرق أوسط جديد»... يتم بمقتضاه تقسيم المقسّم وتجزئة المجزأ حتى يستريح الكيان الصهيوني من الدول العربية الكبيرة ومن الكيانات المحورية في المنطقة... وحتى يتسنى بالتالي تأمين قيام مشهد إقليمي جديد يتشكل من كيانات قزمية تقوم على أسس مذهبية وعرقية وطائفية تستمد وجودها من ـ السيد ـ الأمريكي وتقبل بالدوران في فلك الكيان الصهيوني الحليف الاستراتيجي لأمريكا...

هذا الكلام ليس من قبيل التجني ولا من قبيل قراءة النوايا أو الانتصار لما يسمّى «نظرية المؤامرة»، بل هو كلام تؤكده الشهائد والوقائع، وحتى لا نعود بالذاكرة إلى خارطة الطريق التي رسمتها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ذات مرة بواسطة تدحرج كرة النار الأمريكية التي أكدت أنها سوف تنطلق من العراق إلى سوريا والسودان واليمن والسعودية وصولا لما أسمته الجائزة الكبرى مصر، فسوف نكتفي بالتوقف عند مثالين صارخين من الوقائع المستجدة.

الواقع السوري.. فبعد سبع سنوات على المؤامرة الكبرى ضد سوريا والتي جعلت عصابات إرهابية من أكثر من 80 دولة تتهاطل على الجغرافيا السورية لتنفيذ المخطّط الشيطاني الهادف إلى تدمير الجيش العربي السوري وإسقاط النظام تمهيدا لتقسيم سوريا... بعد كل هذا وبعد الصمود الأسطوري الذي أظهرته سوريا جيشا وقيادة وشعبا والذي أفضى إلى إسقاط هذه المؤامرة، تسعى الإدارة الأمريكية لفرض هيمنتها سعيا لأن تأخذ بالمفاوضات ما أخفقت في أخذه بالدواعش وبالتآمر. وذلك من خلال الدفع نحو تشكيل لجنة دولية لصياغة دستور سوريا. وهو ما طرحه ـ ديمستورا ـ في دمشق مؤخرا ليتلقى الرد الصاعق والصارم بأن الدستور السوري شأن سوري داخلي يحدّده ويكتبه السوريون بأنفسهم ويتأكد هنا التذكير بأن الدستور المقصود أمريكيا هو دستور ـ بريمر ـ القاضي بـ«تقسيم ناعم» على أسس عرقية ومذهبية وبحكم ذاتي للأقاليم برئاسات ثلاث ومجلس رئاسة يشمل الشعب السوري ويكبّل الدولة السورية ويخرجها من كل معادلات المنطقة تأمينا للهيمنة الصهيونية وللاستفراد بحزب الله وبالمقاومة الفلسطينية.

ثانيهما: الواقع اليمني.. فبعد كل سنوات الحرب اليمنية وما سببته من خسائر بشرية ومادية وما استنزفته من مقدرات بعد كل هذه المدة صحا الضمير الأمريكي فجأة ليطالب الفرقاء بوقف هذه المأساة وليحدد لهم مهلة شهر لوقف الحرب... مقترحا في نفس الوقت تقسيم اليمن الى أقاليم يمنح كل واحد منها الحكم الذاتي... أي أن اليمن أدخل غرفة التقسيم وإعادة التشكيل وسيمنح هو الآخر «دستورا انتقاليا» ورئاسات ثلاث وحكومات إقليمية ومجلسا رئاسيا على هوى بريمر ـ ليتكرس على الميدان تقسيم اليمن فعليا.

ألم نقل إننا في المنطقة العربية ما زلنا نعيش مخرجات ومآلات الحرب العالمية الأولى، ونعاني منها، ومن استمرارية مخططاتها المنهجية والمدروسة التي تصبّ في الهدف النهائي: إقامة شرق أوسط جديد...