محمد عزان

محمد عزان

تابعنى على

(جِهــاد العِصبات).. تدميرٌ للحياة وجناية على الدين!!

Saturday 15 December 2018 الساعة 09:38 am

نشهد اليوم صوراً مُرعبة من هيجان العنف والتمادي في استباحة الدماء وتدمير الحياة، حتى صار بعضنا يُقدم على القتل لمجرد خلاف في رأي أو خصومة على مكسب أو عصبية لمذهب وعشيرة أو استجابة لأمر طاغوت منحوه طاعة عمياء، كمن ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.

وتحت تأثير الشحن والتحريض وإلباس الخصومات الأنانية ثوب جهاد مقدس؛ يستبسل فريقٌ من الناس في قتال نُظَرَائهم في الخَلْق وإخوانهم في الإنسانية وشركائهم في الدين والوطن، وباسم (الجهـاد) يملؤون حياة الناس أوجاعاً ويمزقون شمل المجتمعات ويحولون شباب الأمة إلى قطعان تتسابق على تدمير ما بقي للناس من بقية حياة.

وبكل بساطة يُمنح القَتَلة أوصاف الشَّجاعة والبطولة، وتُطلق عليهم القاب: «المجاهدين في سبيل الله وحماة الأوطان»!!
وترفع صورهم وقد سُطِّر عليها آيات تتحدث عن مكانة وفضل الشهداء «في سبيل الله»، وتكتب عن حياتهم القصص، وتُنشأ في مدحهم الملاحم، وذلك مما يستهوي البسطاء للتأسي بهم والمضي على نهجهم في تدمير أمتهم ومجتمعهم وأوطانهم.

ومن أسوأ ما في الأمر أن كثيراً من تلك المعارك الجائرة والخصومات العبثية، تُنَفّذ باسم الدين، فقد قرَّر فرقاء التعصب -من كل الملل- أن الحياة حق يختص به المتدينون على طريقتهم دون سواهم من الناس، ثم قَصَرُوا الدين على ملَّتهم وحصروه في جماعتهم.

وإذا نَشَبت أيُ مواجهة خَرَج كل فريق يقتل الآخر تحت رايات يزعمون أنها رايات «جهاد في سبيل الله»، حتى صرنا نرى المسلم يقدم على قتل أخيه المسلم وهو يصرخ بأعلى صوته: «الله أكبر» ولا يستوحش من ذلك بل يفاخر به، وكلما ارتكبوا من قبيح أو فعلوا فاحشة قالوا: ﴿وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بها﴾!

ولتَزيين الأفكار العـدوانية التي تبرر القضـاء على الآخــرين وإخراجهم من الحياة، وتبرير سلوك قتل المخالفين وإبادتهم، يقف ﴿الذِينَ فِي قُلُوبِهم زَيْغٌ﴾ على جبهات الفتن؛ ليزينوا لأنصارهم السوء ويشرعوا لأتباعهم المنكر، ويستحضرون ما تشابه من القرآن ﴿ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾، بهدف تأييد الخصومات ومطالبة الناس بتأييد أفعالهم القبيحة، ومن لم يفعل فتهمته جاهزة بـ«خذلان الحق» و«التثبيط عن الجهاد»، و«مداهنة الظالمين» «والعمالة للمخاصمين» ونحو ذلك مما اعتاد الناس سماعه من أقطاب الخصومات وتُجَّار الموت.

جميع ما تقدم جعل من لا يعرف الإسلام إلا من خلال سلوك تلك العصابات ينظر إليه على أنه -كان ولا يزال- سيفاً يقطر دماءً، وسوطاً يلهب أجساد الناس، ليدفعهم طوعاً أو كرهاً نحو مآرب سلطوية.

وبذلك أصبح دين الإسلام -للأسف- محل ريبة وقلق عند كثير من شعوب العالم، الذين يتساءلون: إن كان الإسلام رسالة رحمة وتسامح، ومنهج بناء وحياة؟! أم أنه مجرد برنامج تعبئة لتهييج الأحقاد وبث الكراهية وإصدار أوامر القتل ودعوات الإبادة والدمار؟!

عصابات الموت

ختاماً.. نحو عشرين ألف أسير ومثلهم معاقون وأضعافهم قتلى.. وقبلهم أمثالهم!
هذا ما صنعته بنا ثقافة الموت والهوس بالقداسة والسلطة!

وكنا نتمنى أن لا تتحول مشاورات السويد بشأن الأزمة اليمنية إلى مجرد آلة لتسوية ميدان الاستبداد وتوطيد سلطة العصابات، وبالتالي مصادرة حق الشعب اليمني في أن يكون له دولة مدنية يحكمها دستور عادل، لا حق فيه لكهنوت ديني أو جبروت عسكري..

وأحسن الأخبار هي أخبار الاتفاق على الانسحابات وإزالة العوائق والألغام من طريق المواطنين، وأحسن منها أن يتم ذلك بالفعل، وتختفي عصابات الموت من حياة الناس.

لقد كان ذلك ممكناً -سواء في الحديدة أم في غيرها- من قبل كل هذا الموت والخراب.. ولكن الصلف وسوء التدبير يأبى إلا أن يترك بصمات قبحه على صفحات التاريخ.