أحمد مفضل المهدي

أحمد مفضل المهدي

تابعنى على

الطائفية ليست من رحمة الإسلام

Sunday 16 December 2018 الساعة 08:42 am

وحدة العبودية ووحدة الكلمة من أهم مقاصد الإسلام،
وديننا الحنيف قائم على المحبة والمودة، والمتتبع لمقاصد شريعة الإسلام يجد أنها تتركز حول وحدة العبودية ووحدة الكلمة، فوحدة العبودية أن لا يعبد إلا الله ولا إله الا هو سبحانه، ووحدة الكلمة كون العبادات والطاعات لا تحقق غاياتها ما لم تؤدّ بصورة جماعية وبأداء تشاركي (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، ومن أهم أسباب دخول الجنة المحبة التي هي طريق الإيمان بالله تعالى (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا)..

فالمحبة طريق الإيمان والإيمان طريق الجنة.. وديننا دين الاجتماع والمحبة والتآلف بين المسلمين، ولذلك شرع لنا الاجتماع في كافّة العبادات والطاعات من صلاة وصيام وزكاة وحج وكلها خاطبنا ربنا فيها بخطاب الجمع من أجل أن نتآلف ونتعارف ونتقارب ويتفقد بعضنا بعضاً حتى نكون جماعة واحدة وتظهر قوة الامة، إذ لا يستقيم للناس حال في دنياهم ومآلهم إلا بالائتلاف واجتناب التنابذ والاختلاف والفرقة والنزاع التي هي مصدر الفشل والخراب (ولا تنازعوا فتشلوا) وتقوية وتعزيز الأخوّة التي أخبر عنها سبحانه بقوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وجعلها رابطةً أساسُها العقيدةُ وعمادها الإيمان؛ إذِ الإيمان قوّة جاذبةٌ تبعث أهلها على التقارُب والتعاطُف والتوادّ، ولا تنافرَ بين قلوب اجتمعت على إيمانٍ بالله وحبّ شديد لله ولرسول الله. إنّه التآلف الذي أشار إليه ربنا بقوله: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) والذي صوّر رسول الله واقعَه في هذا المثلِ النبويّ المشرق، فقال: (مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وَتَراحُمِهم وتَعَاطُفِهم كمثَل الجسد؛ إذا اشتَكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجَسَد بالسهر والحمَّى) أخرجه مسلم في الصحيح. وهذا ما لا تفهمه الطائفية وجلاوزتها وتجارها..

فالقدرة على تفعيل التسامح والتعايش هو عين التفوق والتوفيق، ولا يتأتى ذلك الا بتفعيل التسامح والتعايش والقدرة على ذلك مع وجود الاختلاف والتنوع في وجهات النظر والتباين النسبي في المفاهيم التي لا توصل الى الفرقة الضارة والمدمرة، فالفرقة بين المسلمين هي من المنهيات في العقيدة السليمة القائمة على محبة الله ومحبة رسوله وأهل بيته وصحابته ومن تبعهم بإحسان..

وأن المسائل والقضايا والاختلافات الفكرية والفقهية ما هي إلا آراء فردية اجتهادية ومعلوم عند العقلاء ان الاختلاف في وجهات النظر الاجتهادية من دلائل الحيوية الفكرية والثراء المتجدد والتنوع في المذاهب الاسلامية وليست ثلمة في الاسلام ولا عيبا ولا خللا، بل يعد من عظمة الاسلام ومن قوته وقدرته على احتواء اختلافات البشر وتلبية متطلبات كل زمان ومكان، والحفاظ على المذاهب قضية طبيعية منعت السقوط في فوضى الاحكام والأفهام المخالفة للاسلام والتي ربما يحكمها الهوى وعدم التأهّل والأعراف المشبوهة إذا تناولها شخص بلا علم ولا حكمة.

وتصوير الصراع مواجهة مع الزيدية ليس سديداً ولا حكيماً بل هو ما يريده الحوثي..

والإصرار غير البريئ الذي يتبناه البعض بتصوير ان الحرب هي صراع ومواجهة بين الزيدية والسنة ليس سديداً ولا حكيماً بل هو بالضبط ما يسعى اليه الحوثي ويشجع عليه ويحشد لأجله..

بل بهذا التصوير الخاطئ أذاب الحوثي الخلافات الداخلية في المذهب الزيدي، عبر توقيع الوثيقة الفكرية وبه تمكنت الحركة الحوثية من تزعّم المذهب الزيدي بإيهام المناطق الزيدية أن المذهب الزيدي بكل أتباعه هم المستهدف اليوم، مع أن الزيدية تنسب إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الذي هو نفسه إمام من السلف الصالح لأهل السنة كما أجداده.

الحوثي حريص على اختطاف المذهب الزيدي وحرف مفاهيمه.. وما سعى إليه الهادي في عصره من حرف المسار للمذهب عبر اجتهادات سياسية هو نفس ما يقوم به الحوثي اليوم من اختطاف للمذهب الزيدي وإخراج لمقولات ثانوية شاذّة في المذهب وإبرازها للعلن، ومحاولة تصوير انها من صلب المذهب، بل إن الحوثي تجاوز ذلك إلى فرض ملازم أخيه المؤسس للحركة والتي تعتبر هذه الملازم مستقاة من الفكر الثوري الخميني، وهذا فكر دخيل على اليمن واليمنيين سواءً زيدية أو غيرهم.

وستبقى اليمن متيقظة لكل فتن التفرق المذهبية والآفات الطائفية التي يُراد إغراقه فيها وهو منها براء.