د. أيوب الحمادي

د. أيوب الحمادي

الفرق بين العرب والغرب.. استغلال ضعف الآخر!!

Tuesday 08 January 2019 الساعة 05:20 pm

عارفين ما هو الفرق بيننا والغرب؟ لو قلتم الصناعة سوف أقول هذه مش صعبة، لأن الفجوة الصناعية نقدر على تقليصها.
لو قلتم العلم، أيضا ليس هناك مشكلة فجامعاتهم مفتوحة لنا وعلومهم أيضا وجنوب شرق آسيا استفاد من ذلك.

طيب الثروات الطبيعية، أيضا غير صحيح، لأن كل ذلك مكدس تحت أقدامنا، لكن لم نستفد من ذلك؟ طيب هل الفرق الموقع الجغرافي؟ أيضا لا.. فالعرب لهم موقع مع منافذ على بحار ومحيطات العالم.

طيب احتمال الكثافة السكانية وتقسيمها، أيضا هذا غير صحيح فنحن شعوب شابة ولدينا طاقات كبيرة بينما أوروبا قارة عجوزة.

طيب احترنا، فين الفرق وليش نحن في نهاية الأمم؟ السبب هو نحن، فالله يقول "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".. طيب هل ممكن توضح ما تقصد؟
كم شجلس أشرح، بس من وجهة نظري أبدأ من نفسي منذ كنت صغيراً في اليمن وأقارن لك أين الخلل فينا كعرب بشكل مبسط للعامة والباقي عليك تكمل أنت وتستنبط ما تريد.

عندما كنت صغيراً في اليمن كنت أسمع في الإعلام والدواوين ومن خطبائنا كل جمعة وبعد كل صلاة وأساتذتنا في المدرسة بمناسبة وبدون مناسبة يفردون أكثر من نصف الخطبة أو الدرس أو النقاش لتوصيف الغرب "الكافر" بكل الأوصاف التي قد تخطر على بال.

كل ذلك شكل قناعات معينة عليهم لديّ.. لذلك كنت اريد الدراسة في مصر او سوريا بعد الثانوية، لكن كتب الله ان اكون من ضمن المبتعثين من التعليم العالي الى الغرب الكافر اي المانيا ومن الامم المتحدة الى روسيا طب بشري، فقلت المانيا اخف الضرر، لان روسيا كفار عرابيد لا يؤمنون بشيء، هكذا كان وقتنا وما رسم المجتمع لنا. 

فرحت انني سوف انشر الفضيلة في ألمانيا، التي تعلمتها من صغري وأنقذ الغرب الكافر من تعاسة الحياة، التي يعيشون بها وأضمن الجنة برحمة الله وبصبرى في دعوتي كما قال لى اصحابي ومن عرفني وقتها.

عشت في الغرب "الكافر" أكثر من نصف عمري إلى الآن، تعمقت فيها تجربتي وتأصلت خبرتي، ليس في العلوم الطبيعية، وإنما الإنسانية،  لكني لم أستطع أن أزرع هنا زهور ثقافتي ومنهجي المحمولة على عاتقي من المنطقة العربية أي "اليمن" كما كنت أريد من أول ليلة وكما كنت أتصور وأكرر أقول (كما كنت أتصور). 
وبدلا من ذلك عشعشت غاباتهم الكثيفة في شخصيتى بتعاليمهم الحديثة وأفكارهم النيرة، والتي تُترجم من كل حلقات مجتمعهم إلى سلوكيات عملية دون ابتذال او تمثيل أو مَنّ.

وحتى لا أتهم أنني أحب الغرب أو أنتقد في بيئتنا العربية دون تقديم حلول أو خلاصة ما نحن فيه وكيفية الخروج منه، فأنا أحاول أن لا أطرح موضوعات إلا لمراجعة الذات.
فمثلا في الغرب رأيت الطفل لا يتربى على شعارات الفضيلة و لا الأفضلية المطلقة كمبدأ (ارفع رأسك أنت عربي يمني او سعودي، لك تاريخ عظيم او انت من خير البشر) كما تربيت وتعلمت انا.
لكنه بسلوكياته وأخلاقه يمتاز كثيرا عنا من دون مغالطة فكرية او كلمات جوفاء و التي تيقنت فيما بعد ان ليس لها أي أصل أو سند في ديننا.

فالطفل هنا حر لا يكذب ولا يكره ولا يحقد ولا يخاف ولا يتملعن مثل حالنا عندما كنا مثلهم.

في الغرب لا يحلم الطفل إلا أن يكون ناجحا وفعالا وسعيداً وفي أوطاننا نزرع الزعامة وثقافة حمل السلاح والتسلط والطبقية والمناطقية والاستشهاد دون ذلك في اطفالنا مع كل نسمة هواء.

وفي الغرب لا يعملون أي تمييز ما بين الطالب العربي والغربي في التعامل او حتى الرسوم في مدارسهم او جامعتهم ومرافقهم، وفي اوطاننا لا يسمح إلا لأبناء الوطن فقط في دخول الجامعات اما أبناء المقيمين ليس لهم الا ان يكتفوا بما حصلوا او ترك البلد كما هو حال الخليج العربي الغني بالمال.

في الغرب رأيت الانسان لا يُعامل من قبل النظام على أساس جنسيته أو قوميته أو لونه أو دينه أو فقره أو غناه أو أسرته أو مكانتها بل على أساس آدميته قبل وبعد كل شيء. لذلك في دساتيرهم الكرامة الإنسانية لاتمس وتحتها تمر كل القوانين، وأقول كل القوانين.

في الغرب رأيت الإنسان يحصل على حقوقه غير منقوصة كالرعاية الاجتماعية، حتى وإن كان يستغل النظام ويتملعن، او يحصل على إقامة دائمة بعد المكوث عدة سنوات متواصلة حتى ولو دخل الى هنا بأوراق مزورة او حتى بدون أوراق إثبات الهوية او هارب او لاجئ انساني وليس سياسيا، بينما في بلادنا العربية والاسلامية وبالخصوص الخليج والمملكة يجدّد المقيم إقامته ولو مكث مئة سنة ولو هربنا نحن من الحرب عندهم وظللنا 200 سنة فلن يكون لنا اي حق في الإقامة ونحن جيران وأسرة واحدة من بداية الخليقة.
 
في الغرب لا يطرد من البلد من اشتغل 56 شهرا لانه صار دافع ضرائب تعطيه الدولة حق الإقامة الدائمة حتى لو ظل بعدها على الرعاية الاجتماعية بقية حياته دون عمل، بينما في عالمنا قد يتم طرد مئات آلاف من اخواننا تحت قوانين مجحفة أو مواقف سياسية عاطفية كما حصل في السابق، حتى وإن عملوا 56 سنة والغريب الادعاء اننا اخوة في الدين والارض والتاريخ المشترك بعد ذلك وسوف نجتمع في دينينا تحت راية واحدة بهكذا سلوك.

في الغرب تمارس كإنسان سلفي أو إخوان او كافر او مرتد او حتى جني حريتك في ممارسات معتقدك وتعيش بجانب غيرك مما ذكرت جار له باحترام، وفي اوطاننا افكارنا وقلوبنا ضيقة لا ترغب بالنقاش مع كل جديد او غريب حتى لا نقع في المحظور ويقام الحد لمن خالفنا ونقتل لمجرد الاختلاف المذهبي والمناطقي والسياسي ونبرر سلوكنا الشاذ ضد غيرنا.

في الغرب لا يختزل دور المرأة في النكاح والإنجاب وفرض الوصايا عليها في كل شيئ، وإنما هي نصف المجتمع بدون مغالاة وقيادة الدولة تحتهن تعمل بانسجام غريب.
 
في الغرب تستطع الزواج من من تريد حتى لو كانت بنت المستشارة الألمانية إن كان هناك توافق دون ان يقف القانون ضد هذه الرغبة، ويمكن ايضا لو انت فقير فتح بيت والحفاظ على كرامتك مهما كان معتقدك حتى وان كنت معدما، وتستطع تأثيث شقة يتحملها مكتب الرعاية الاجتماعية بما انك قانوني اي دافع ضرائب من قبل واقامتك 5 سنوات قانونية، بينما في المملكة على سبيل الذكر كموطن الرسالة وفيها مقدساتنا وقبر نبينا ومحرك المنطقة الاسلامية ينتظر الانسان لمدة 3 سنوات تقريبا وقبلها يجب ان يكون لديه عمل واقامة سارية المفعول للحصول على إذن لزواج مواطنة، غلبانة، فقيرة، ارملة او مطلقة ولم اقل بنت شيخ او امير هذا وهو يماني من نفس الثقافة والارض فما بالكم بهندي او صومالي مسلم والذين قد ينتظرون قرنا من الزمان.

والمشكلة أن في الغرب زوجتك تعطيك طريقا قانونيا للجنسية والاقامة وأطفالك يحملون جنسية البلد بعكس الخليج والمملكة ارض الاسلام حيث يصبح زواجك دون فائدة قانونية تذكر غير انك تنام مع الكفيل بسرير واحد.

في الغرب يحصل المقيم على الجنسية بعد 6 إلى 7 سنوات متواصلة ان تكلم لغة البلاد وألمّ بقليل من المعلومات العامة حول نظام الدولة وتقسيمها و4 مواد من الدستور كل على بعض لا تتجاوز 14 صفحة وفي موطن الاسلام والخليج الاسلامية لا يُمنح الجنسية للعربي حتى وإن ولد فيها وحفظ القرآن بالقراءات السبع التي حددها ابن مجاهد، والانجيل والتوارة وتاريخ الجزيرة العربية من هبوط آدم عليه السلام مرورا بقبائلها وصعالكها حتى يومنا فما بالكم بالهندي المسلم، هذا وهي مناطق تفتقر للسكان كثروة.

في الغرب يسعون دون تهاون إلى استقطاب وتوطين وتجنيس كل كفاءة تخدم شعوبهم والانسانية جمعاء، ونخبنا وقادتنا تحارب ابناءنا ومغتربينا وكوادرنا العربية إما بانتقاصهم في الوظيفة او المواطنة او اقصائهم من الوظيفة القيادية او تطفيشهم او جعل المواطن الذي امكانيته محدودة مديرا عليهم بحكم انه فقط مواطن وانت وافد.

في الغرب عقولهم النيرة تدير مؤسسات الدولة وقطاعات الانتاج، وفي اوطاننا جهال القوم وعسكر وشيوخ الوطن وبلاطجة السياسة والدين متمترسون في كل مفصل في الدولة الى ان يسلموها الى المهدي المنتظر -كما سمعنا- حتى ولو نظرنا إلى حالنا في الدول الفقيرة.. وفي الغرب لا تجد كفيلاً غربياً يبتزّ مقيما عربيا او هنديا او صينيا يتاجر به او يطلب منه شيئا دون وجه حق ولا تسمع كلاما جارحا.

وفي عالمنا طفل صغير أو كبير في الخليج يكفي ليقول لك اسكت والاّ ارجعك بلدك، انا مواطن وأنت مقيم تحتاج تتعلم كيف تخاطب المواطن تاج راسك وكأن بيديهم صكوك من رب العالمين بتوزيع الارزاق.

وحتى لو نظرنا لاخواننا في المناطق اليمنية الجنوبية وتعاملهم مع ابناء المناطق الشمالية هذا ونحن فقراء ننتظر دعم الخارج لنا بسلات غذاء. في الغرب قد تجد امرأة تعمل كخادمة حدد لها النظام عدد الساعات والايجار العادل دون انتقاص كرامتها ووضوح الشروط والواجبات، وفي عالمنا تعمل مثل هذه الانسانة لمدة 18 ساعة في اليوم 7 ايام في الاسبوع ب 200 يورو كما هو حال اخوتنا في الخليج مثلا ناهيكم عن الاستغلال وما خفي كان اعظم كما نسمع هنا وهناك.

في الغرب نطرد وزيرا لانه اشترى لابنه تذكرة طيران بتخفيضه كوزير بقيمة لا تتجاوز 300 يورو، وفي اوطاننا ابن الوزير هو الوزير القادم وأبوه لا يرى للمناقصات الا ابنه واخاه وحتى يفسح المجال لنفسه ولابنه لا يكل في تطفيش واتهام وتخوين اهل الكفاءات وحتى لو نظرتم ليس فقط للخليج والعرب وانما الشرعية اليمنية الفقيرة والمشتتة التي لم تترك وظيفة الا واعطتها أبناءهم واقرباءهم.

في الغرب الانسان المعاق والفاشل يُدعم حتى ينجح ويبدع، وفي بلادنا المريض والمعاق نسترزق بهم على ابواب المساجد والمصالح والاشارات. 

في الغرب تخلصوا من رجال الدين والاقطاعيين والفاشلين من إدارات مصائر الناس منذ العصور الوسطى، وفي أوطاننا العربية ننشئ لهم امبراطوريات بصكوك ربانية ولوائح دستورية واستحقاقات مرحلية.

في الغرب لا وقت الا للعمل وبناء المصانع والانتاج، ونحن لا نملك لا مصانع تتحرك ولا طاقات تفكر ولا حتى خطاب عقلاني ولا سلوك إنساني، ولا سياسة واضحة، و لا أحلام مشروعة غير العمالة والارتزاق، ولا حتى صرف صحي يسترنا من بقايا الأمطار وانتشار الأمراض والأوبئة.

في الغرب يتعامل النظام بالاسلام النقي معك رغم كفرهم بالحساب والمعتقدات الدينية، وفي بلادنا العربية المختلفة اصحاب السلطة والفضيلة المطلقة تتعامل بمناهج الكفر والاقصاء والتطفيش للآخر والعنصرية والطرد حتى وإن كنت من نفس الوطن، برغم ايمانهم بالآخرة، والغريب اننا ندعي الحق المطلق والجنة لنا.
 
في الغرب الدولة تدفع مرتبا للطفل ويزيد مرتبات الاطفال كلما زاد عددهم في الاسرة حتى ولو كنت جديدا على هذا البلد او طالبا او موظفا، اي الدولة تدعم بالاسرة مع الاطفال مهما كانت جنسيتها ومعتقدها وتسهل استمرار الاسرة وحتى رسوم الدولة تنخفض للاسرة مع الاطفال والضرائب وتزيد لهم الرعاية الاجتماعية وحتى رسوم استئجار الكتب تنخفض الى النصف للاسرة مع الاطفال وايضا رسوم الحضانات للاطفال حتى لا يشكل ذلك ثقلا على رب الاسرة، بينما في المملكة لن يستطيع الأجنبي العربي ينام وهو يعلم انه سوف يدفع رسوم كل شهر لم يفرضها احد في الارض كلها على اسرة مقيم بهذا الحجم تكسر ظهره.. لا ادري اين اقف بالسرد الذي لن ينتهي ولكني اكتفي.

وبناءً على السرد السابق فيتضح لنا أن الفرق بيننا وبينهم هو السلوك الإنساني، الذي يجسده القانون تحت حماية الكرامة الانسانية من المساس بها او استغلالها.

يتضح لنا أيضا من السرد أن قوة المجتمع وتماسكه وتفوقه واحلام انتاج الدولة المدنية الحديثة القوية التي تتجسد فيها الفضيلة كصفة ربانية لنا كمسلمين قبل أن نتحدث عن القانون يكون نتيجة تقييم سلوكيتنا اولا وأخيراً، يكون نتيجة استمرار التأثير الثقافي والتسامح والتعايش، وليس نتيجة استغلال ضعف الآخر أو احتياجه ومصادرة كرامته بصور مختلفة وبحجج مختلفة نابعة عن المنهج الديني المذهبي أو الفقر الاقتصادي أو الاستغلال الإنساني أو السياسي أو المناطقي أو العسكري. 

البشر ترتقي بقوانينها وسلوكها ونحن نسقط بقوانيننا وسلوكنا وممارستنا وأخلاقنا كل يوم أكثر!!!!!

* من صفحة الكاتب علی (الفيس بوك)