حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

خازن بيت المال والخليفة الزاهد !!

Wednesday 13 February 2019 الساعة 09:20 am

كان يا ما كان..
 كان الخليفة الزاهد في جزيرة واق الواق يتفقد بيت المال المملوء بالذهب والفضة والدنانير، فوجد درهما مرميا على الأرض؛ فاضت عينا الخليفة بالدمع، ونادي خازن بيت المال وقال له معاتبا:
- هل تريد أن يحاسبني الله على هذا الدرهم يوم القيامة؟
فقال خازن بيت المال: "لا والله..وإنما هي هفوة مني لن تتكرر يا خليفة الله". وعاد الخليفة إلى قصره سعيدا ليصلي شاكرا الله، بينما غادر خازن بيت المال وابتسامة ساخرة تعلو شفتيه، وقال في نفسه: "إن الخليفة يخاف عقاب الله في درهم، لكنه ينسى أن جنوده نهبوا الملايين المخزونة في بيت المال من فقراء البلدان المفتوحة، وأن كل درهم يعطيه لفقير في مدينته، منتزع بالقوة من فقير في الأراضي المحتلة.

وأن كل وجبة تتناولها أسرة أنعم عليها الخليفة بالصدقة، قد انتزعت من أفواه أسرة أخرى في بلدة بعيدة داهمها جند الخليفة بالسيف والرعب، ثم قال خازن بيت المال وهو يتنهد: "عجبت لأمر من يسرق جنده الملايين من عرق الفقراء وكدهم، كيف يبكي على درهم مسروق، ولا يبكي على أمم نهب جنده أموالها وأراضيها وبيوتها وسجادها وباعوا حتى أطفالها ونساءها..... (من حكايات ألف ليلة المجهولة)
                                                                   

أولئك الأشرار الطامعون في ثرواتنا


لفت نظرنا الشاعر- الفيلسوف عبد الكريم الرازحي إلى اعتقاد شعبي شائع في الأرياف حول وجود كنز مدفون في البيوت المهدمة أو الآبار المهجورة؛ فإذا شاهد سكان القرى زواراً أو سياحاً يتجولون حول بيت قديم أو بئر مردومة قفزوا لمراقبتهم واتهامهم بالبحث عن الكنز الخفي.

صار لهذا الاعتقاد الشعبي صورة عصرية هي نظرية حقول الغاز والنفط المدفونة في الصحارى والجبال النائية.

 ونظرية المؤامرة واسعة الانتشار حول القوى والدول الطامعة في ثرواتنا المدفونة في المناطق النائية والصحارى. 

حسب نظرية المؤامرة-الكنزالمدفون فالحرب التي تطحن اليمنيين منذ 4 سنوات ليست أكثر من مؤامرة شيطانية-أمريكية- إيرانية- سعودية- قطرية-إماراتية- إسرائيلية لنهب الكنوز المدفونة من النفط والذهب والمعادن.

الملاحظ أن سكان القرى المؤمنين بوجود الكنز المدفون لم يفكروا في التنقيب عنه وتحسين ظروف حياتهم، لكنهم مقتنعين أن الأغراب المتجولين في القرية يعرفون مكانه ويتحينون الفرصة للانقضاض عليه، ودورهم ينحصر في مراقبة الأشرار والإمساك بهم متلبسين.

وعلى المنوال نفسه لا يسائل أنصار نظرية المؤامرة أنفسهم عن سبب عجزهم عن استخراج واستثمار ثروات اليمن المدفونة، بدلا من الانتظار لمؤامرات المتآمرين الساعين لنهب الثروات التي لا نعرف شيئا عن مكانها ولا عن طريقة استخراجها.

إن أكبر كذبتين تتداولهما مجالس القات منذ بداية الحرب هما كذبة "أكبر حقل نفط في العام في محافظة الجوف و كذبة " أكبر حقل ذهب في العالم تحت أحد الجبال المجهولة.
 
 لكن لماذا ترتبط الثروة والكنوز عندنا بالمكان المهجور؟
ألا يذكرنا هذا باعتقاد آخر أن أرقى الأفكار والنظريات والاكتشافات موجودة في تراثنا "المهجور" وفي خرائب ماضينا المهملة؟
إن التعلق "بالأطلال" والتغني به سلوك موروث ومألوف،
وما أكثر من يؤمن أن الخلاص والتطور كامن في خرائب الماضي لا في وعود العلم والمستقبل!

الإنسان هو الثروة الحقيقية.. لكنه ذلك الإنسان المتحرر من خرافات الماضي والمؤامرات والكنوز المطمورة.

إن اليمن دولة ذات موارد محدودة وأي أوهام حول ثروات خرافية مطمورة ليس إلا حلما سخيفا بكنز مدفون في بيت مهدم، لنتخلص من وهم الثروات التي ستجعلنا أغنياء بين يوم وليلة. 

فمصباح علاء الدين وهم طفولي لم يعد يقنع حتى أطفال الروضة هذه الأيام، والانسان الحالم بالكنوز سيظل جائعا حتى يصحو من حلمه البائس ويعرف أن الكنز هو المعرفة والمهارة والعمل المخلص.
* من صفحة الكاتب علی ( الفيس بوك)