عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

الخليج والربيع الإخواني.. مراجعات العبث القطري بالتجربة السعودية

Friday 15 February 2019 الساعة 03:49 pm

لن يستطيع أحد الادعاء والقول بأن الوضع في الخليج مثالي، وفي الوقت نفسه لن يصدق عاقل الزعم بأن الخليج يحتاج أحلام وتطلعات الربيع العربي أو الإخواني البريئة أو غير البريئة، ليس لأن الربيع فشل وأخفق، وتجلت مآسيه وأحزانه لدول الربيع، التي تعيش أسوأ مراحلها التي فاقت كل الخيال الذي لم يكن يوماً تحتمله أي توقعات متشائمة، ناهيك عن التطلعات والأحلام والآمال، ولكن لأن بنية الوضع في الخليج بنية مختلفة ومتغيرة عن البنيوية الثورية والسياسية للدول الجمهورية، التي بنيت على تراكمات ثورية وأحداث سياسية معقدة جدا ك:(تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا، والسودان).

وبالتالي فإن تهديد الخليج بالربيع العربي أو الإخواني، أمر في غاية السذاجة، سواء كان التلويح والتهديد للسعودية أو الامارات أو قطر أو عمان.

اجتزئ التهديد.. بإشعال ربيع عربي في بعض من دول الخليج، فقط، وكأنه العاب نارية، بيد طفل يلهو بها بكل بساطة.

خطاب سياسي غبي ومتأزم، ومرتهن للخلاف الخليجي -الخليجي، يعتقد بأن الداعم والممول هو من تجير له الأحداث الكبرى، بعيداً عن أي اعتبارات موضوعية وأخلاقية.

يتجاهل خطاب هكذا، مختلف الحقائق التاريخية والاجتماعية والسياسية، وبكل سذاجة يعتقد بأن كل القضايا متاحة له لاستخدامها للمكايدات والابتزاز وصراعات مصالحه.

يتجاهل هذا الخطاب السطحي، بأن دول الخليج وإن كانت مختلفة في توجهاتها السياسية، ومواقفها من قضايا سياسية خارجية، فهي جميعها متوحدة الملامح على المستوى الداخلي، في محاربة أيديولوجيات اليسار والاسلام السياسي، بخلاف دول الجمهوريات العربية التي حكمت فيها بعض أيديولوجيات اليسار وتنامت أيديولوجيات اليسار والاسلام السياسي مستغلة هامش الحرية لدول الجمهوريات، أو بالأصح هو هامش فوضى واختلالات في المسارات الوطنية، وثغرات بالعلاقات الدولية حيث تدخل الغرب بمواقفه السياسية المختلفة لدعم مختلف التوجهات السياسية الأيديولوجية، كقوى معارضة وكمنظمات مدنية.. فتخلقت بيئة سياسية مغايرة تماماً للبيئة الخليجية.

فالخليج باختلاف مواقفه، وبتغير طابع الدول والأسر الحاكمة، فإنهم جميعاً أحدثوا استقراراً وبنية تحتية حقيقية لدولهم، وارتقوا بمواطنهم واحتياجاته، بفضل الثروة النفطية، والبيئة التي خلت من الصراعات السياسية المعقدة، وكذا بفضل الحكم الملكي الذي لايسمح بإشعال معارك السياسة، من صراعات الأحزاب التي تتستر وراءها الأيديولوجيات العابرة، والعائلات السياسية الطامحة، والتدخلات الغربية التي تسهم بإشعال هذا الصراع، كما هو حال بلدان الربيع، التي ظلت سلطاتها وأنظمتها منشغلة بمواجهة صراعاتها وتحالفاتها المتناقضة، مع هذه الجهات السياسية، بما أسهم في إعاقتها عن التنمية وبناء الدولة.

الأصوات اليوم التي تهدد الرياض ودبي بربيع عربي، تقف وراءها دولة خليجية، تحرم الإخوانية كتنظيم أن يتواجد داخلها، ليس أحد اخوانيا في أسرة الحكم القطري، لكنها تتخذ الإخوان كأجندة لها، وتدعمهم خارج حدودها، وستقبلهم كمنظرين للنشاط الإخواني خارج قطر، بينما لا وجود للإخوان في قطر إلا في مؤسسات الإعلام وخصوصا قناة الجزيرة.

فمن سيقود الربيع الإخواني بقطر؟! ولماذا قد تستثنى قطر عن الدول الأخرى؟! لايوجد مبرر واحد!!

تعرف قطر بأن الصراع سيظل خارج حدودها وخارج الخليج، وبأن الإخوان خطر عليها كما هو على بقية دول الخليج، ولكنها تستخدمهم لهوس الفوضى الخارجية، أو كما بإمكانها أن تسمي ذلك، إحداث سيطرة على المنطقة ومنافسة الآخرين.

لا يختلف الأمر كثيراً في دعمها الإخوان، عن دعمها لتنظيم داعش الذي قد لا تؤمن بمنطقه وفكره الإرهابي.

في الأخير ستجد قطر نفسها في مأزق حقيقي، وستقع في شر أعمالها، وستدفع ثمن دعمها لمنطلقات خاطئة، وجماعات فوضوية جنت على شعوبها وتهدد جيرانها.

بوضوح كامل.. قطر تكرر تجربة السعودية الأليمة، التي حرمت الخطاب الإرهابي والطائفي داخلها، ودعمته عند جيرانها، فأنتج ردة فعل سرطانية أصبحت مهددة للأمة، والكل يدفع اليوم ثمناً غالياً.

الأشقاء الخليجيون.. لا ربيع عربي، ولا ربيع إخواني سيحدث عندكم جميعاً، وأنتم تدركون هذا جيدا، ولستم بحاجة إلى تطمين مني أو من غيري.

ولكنكم بحاجة إلى نصيحة مخلصة وصادقة، تصارحكم بالخطر الحقيقي الذي يهدد دولكم ويقضي على كل ما بنيتموه لسنوات طويلة، هي سياساتكم تجاه جيرانكم، وأشقائكم.

إن تبنيكم المنطلقات الخاطئة، ودعمكم للتوجهات التي تضر بشعوبها، وتعبث وتتاجر بمآسيهم وأحلامهم، وتعطيكم الولاء وتقدم نفسها كأجندة مطيعة لكم، تستخدمونها وتوجهونها كيفما شئتم، في معارككم الخليجية الخليجية، ومصالح ارتباطاتكم وعلاقاتكم الدولية المعقدة..

قبل سنين من اليوم، لم يكن يظهر أثر لخطر ضدكم من هذه السياسات، لكن تراكماتها اليوم أظهرت المخاطر والأخطار، تدمرت دول وشعوب بمساعدة قطر وقناة الجزيرة، وبسبب مواقف عربية سلبية.

وكأمة أستُهدفنا واقترب منا الخطر الإقليمي، عبر وكلائه المحليين وأدواته؛ نتيجة الأخطاء والضعف في مواجهته والسياسات التي تركت له الفراغ والفرص أمامه.. لا يمكن اليوم إقناع قطر بمدى خطورة سياستها، ومواقفها، فهي حقاً تلعب بالنار، بتمسكها بدعم شعارات الفوضى، والجماعات المتطرفة، إلا في ظل تبني رؤية خليجية متكاملة، تقترب من مراجعة الأخطاء العامة بكل تراكماتها ونتائجها اليوم، بكل ما في الأمر من حساسية مؤلمة.

فتعترف السعودية، بطريقة أو بأخرى، بأن المنطق القطري اليوم، سبق وأن مارسته هي أي "السعودية" بنفس الطريقة، لكن النتائج كما هو الواقع اليوم مؤلمة جداً.

الأمر اليوم ليس ترفاً ولا حالة مثالية، بل أصبح أكثر ضرورة مُلحة، في مراجعة السياسات الخاطئة التي دعمت الفوضى، بدول الجوار، لأن نتاج ذلك اليوم أصبح ينعكس على المنطقه برمتها، ويوسع الفجوة والخلافات في العلاقات الخليجية الداخلية، إلى حد يهدد الجسم الخليجي ككل بشكل عام.

ليس أمام الخليج اليوم إلا أحد خيارين: المضي قدماً في العبث بدول الجوار، لا سيما دول الربيع المأساوي والدموي، بتصادم السياسات الخليجية مع بعضها، وتطور خلافاتهم الداخلية لتكون ثغرة تتوسع كل يوم أمام الطموحات والتربصات القومية الأخرى، التي تتفن باستخدامها لصالح أهدافها، أو تبني مراجعات حقيقية، ومواقف سياسية جديدة، تعمل على إصلاح كل ما شاركت في إفساده وتعقيده، لتنقذ الأزمات الإنسانية والتعثرات الوطنية لهذه الدول، وتنتج علاقات خليجية خليجية جديدة، قائمة على استشعار المخاطر التي تصل إليهم ولو متأخرة، بسبب دعمهم للفوضى خارج حدودهم.

تتصاعد ألسنة اللهب، ويرتفع الدخان الكثيف ليحجب الرؤية تماماً، ويسمم الأجواء، وتتعمق المأساة أكثر وأكثر، ويعمل الكثير مبادرين ومأجورين، على زيادة إشعال الحرائق بين الجميع وضد الكل، وتتعمق مأساة دول الربيع، وتضيع الأوطان في صراعات عبثية معقدة.

ويظل ما نحتاج إليه، هو إخماد الفتنة وإطفاء النيران والانتصار للأوطان والأمة، ولن يأتي هذا بسهولة فهو الطريق الأصعب والأشق، لأنه يفرض علينا مراجعات حقيقية، والاعتراف بالحقائق المرة.