سمير رشاد اليوسفي

سمير رشاد اليوسفي

تابعنى على

اليمن وحكم الفقيه!

Tuesday 19 February 2019 الساعة 08:24 pm

طريقة حُكم الرئيس "هادي" يبدو أنّها مُقتبسة من حكاية شعبية يمنية، أطرافها: ثورٌ وفقيهٌ وجرّة!

قيل إنّ ثوراً أنهكه "الظمأ" أفلت من مربطه في غفلة من مالكه.. فصادف "جرة" جوار منزل أحدهم، أدخل رأسه فيها عنوة؛ ليُطفي عطشه.

وبعد أن ارتوى منها عجز عن إخراج رأسه، وظلّ يحركه يمنة ويسرة، حتى حضر صاحب الجرّة.. وساءه الموقف؛ فاستدعى مالك الثور.. ونشب شجار بينهما؛ بسبب مطالبة الثاني بكسر جرّة الأول لإنقاذ ثوره من الاختناق.

قررا بعدها الاحتكام إلى "فَقِيه" القرية.

حَكَّ الفقيه رأسه وذقنه.. وتفتق ذهنه عن أنّ الثور هو البادئ؛ "تجرأ على الاعتداء على أملاك الغير، ويستحق العقاب"!!
فأمر على الفور بقطع رأسه لتحرير الجرة!

وتفاقمت المشكلة بين الخصمين أكثر، فالرأس ظل عالقاً.. وصاحب الجرّة يريد تنظيفها منه.. ومالك الثور يطالب برأسه المقطوع.

عاود الفقيه مُجدّداً حَكّ رأسه.. وبعد أن فكرّ وقدّر.. قال لهم بكل تواضع الحكماء وحزم القادة: "اكسروا الجرة"!!

وبالطبع هادي في القصة ليس الثور، بل: الفقيه.

أراد القضاء على نفوذ وتطرف تجمع الإصلاح وهيلمان من كان يُسميهم بـ"الحُمران"؛ فحسَم خياره بدعم الحوثيين وشرعنة وجودهم بـ"30" مقعداً في الحوار الوطني، وأجلى سلفيّي "دمّاج" من طريقهم.. وسهّل عبر وزير دفاعه دخولهم إلى عمران.. وتساهل مع قتلهم للقشيبي.. ومنع الإعلام الرسمي من نشر خبر مقتله، بذريعة أنّه تمرّد على أوامر الرئيس، ودخل عمران بعدها بأيام بحماية الحوثيين مُصرِّحاً أنّها عادت إلى الجمهورية!!

بعدها: ضاعف أسعار الوقود عشوائياً، مانحاً بذلك الحوثيين المبرر للاحتشاد، وتطويق العاصمة.. والسيطرة عليها. ثُمّ قدّم استقالته وغادر صنعاء إلى عدن، بحماية حوثيين سلموه لموالين لهم من الحراك على إثر اتفاق أميركي إيراني!

لاحقاً تراجع عن استقالته، وتحالف مع الإصلاح.. وعاد للتحريش بينهم وبين السلفيين!!

لم يجنِ اليمنيون من ولاية هذا "الفقيه" سوى المزيد من التمزق والتشرذم.. ولا حلّ يلوح في الأفق، بسبب سياسته في استثمار الخصوم، واستخدامهم لضرب بعضهم ببعض.

وإذا كان ثمّة إجماع بأنّ فتنة الحوثيين لن تنتهيَ بغير الانتصار عليهم في الحرب، فلن يتأتى ذلك إلاّ باستعادة الدولة وتثبيت أسسها من جديد..

والأكيد أنّ هادي ليس صالحاً لهذه المُهمة الوطنية؛ لأنّه لم يكن صالحاً لها منذ البدء. فضلاً عن كونه الأداة التي استخدمها الغرب لتمزيق اليمن وإنهاك السعودية ضمن مساعيه للتوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران.. ونجح في مهمته بجدارة لا يُحسد عليها.

أمّا حصر "الشرعية" واختزالها في شخص هادي.. والعزف على وتره المهزوز.. ليس أكثر من استهبال واستعباط لليمنيين، صارت نغمته نشازاً مُقرفاً..

بغض النظر عن الأشخاص، الشرعية في ظل الحرب هي لمن يرفض المشروع الإيراني ويستنفر كل القوى الوطنية للقضاء على الحوثي.. ولا ننسى أنّ نظام الرئيس صالح انتقل لهادي، بمبادرة رعتها السعودية ودول الخليج، وجاء الاستفتاء عليه ليكون تحصيلَ حاصل.. ولن يعدم عقلاء اليمن وحكماؤها ومعهم التحالف الوسيلة لإنقاذها من المتاهة.

ولعلّ إقالة الرئيس السلال في نهاية ستينيات القرن الماضي -بعد أن تعسرّ القضاء على الإماميين، وتحوّلت الحرب إلى ارتزاق في عهده- واستبداله بالرئيس الإرياني إحدى التجارب اليمنية التي يمكن استلهامها.

غير ذلك: سيُدرك اليمنيون كافة -عاجلاً أم آجلاً- أنّ في الأمر إنّ وأخواتها.. والتاريخ لا يرحم!!