فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

فصل المقال في أزمة حزب المؤتمر (7)

Thursday 21 February 2019 الساعة 08:23 pm

عرضنا في المقال السابق حالة قيادة المؤتمر في صنعاء من مختلف الجوانب، وانتهينا إلى قول وجيز مؤداه إن مؤتمر صنعاء ليس متحوثاً. ولكن نظراً لخطورة ذلك، رأينا تخصيص هذا المقال لشرح أهم الملابسات التي ولد ذلك الادعاء في ظلها.

لقد ظهرت مقولة الجناح الحوثي في المؤتمر أو المؤتمر الموالي للحركة الحوثية، في البيئة المشوكة لعام 2014، ومولدوها الحقيقيون هم خصوم المؤتمر أصلاً، وقد تلقاها سياسيون وإعلاميون بالقبول، وما يزالون إلى اليوم يلوكونها مثل علكة، كلما عنَّ لهم الحديث عن قيادة المؤتمر في صنعاء في عهد صالح أولاً، وأخيراً في عهد أبو راس.

وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كان يتعين تشكيل الحكومة مناصفة بين المؤتمر وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك وشركائها، إلا أن حكومة الوفاق الوطني (ديسمبر 2011- سبتمبر 2014) كانت غالباً هي حكومة المجلس الوطني لثورة فبراير الشبابية- الشعبية السلمية، الذي ضم أحزاب اللقاء المشترك، وممثلي ساحات الحرية والتغيير، ولجنة الشيخ حميد الأحمر، وكان رئيس تلك الحكومة محمد سالم باسندوة هو في الوقت عينه رئيس المجلس الوطني المذكور قَبلاً.. لم يدخل الحوثيون في الحكومة، ولا كانوا في المجلس الوطني، وإن شئت الدّقة عُيّن عدد منهم أعضاء فيه دون علم منهم، فانسحبوا بعد نشر المجلس قوائم تضم أسماء أعضائه المقترحين، كما أعلن آخرون انسحابهم منه، أبرزهم حيدر أبو بكر العطاس، وعلي ناصر محمد.

وبينما قرّر المجلس الوطني لثورة فبراير رفع مخيمات الاعتصام، لأن الثورة الشبابية- الشعبية حققت أهدافها من خلال تشكيل الحكومة وتعيين أبرز قادة الثورة ونشطائها في الحكومة، قرّر الحوثيون السير في ثورة 11 فبراير إلى النهاية، باعتبارهم الأمناء المخلصين للثورة الشبابية- الشعبية السلمية، وانضم إليهم بعض قادة الثورة الشبابية المستقلين مثل النائب أحمد سيف حاشد وأنصاره تحت لافتة تصحيح مسار الثورة.

لقد استأثر المجلس الوطني بالنصيب الكبير من مناصب وزير ووزير دولة، وتسعة أعشار التعيينات في جميع الهيئات الحكومية الهامة، وكان متخذ القرار ومصدره الفعلي حزب التجمع اليمني للإصلاح. وزحزح المؤتمر الشعبي العام إلى الهامش، ولم يكن له سوى خمسة وزراء بينما كان حزب المؤتمر يعتبر الآخرين أتباعاً للرئيس هادي. كما تم محاصرة المؤتمر بمكايد شتى، وقبيل وأثناء مؤتمر الحوار الوطني الشامل كان خصومه السياسيون يعلون راية الاجتثاث والعزل السياسي، ثم شكلوا تحالفاً عريضاً لإيذاء ممثليه وإسقاط رؤاه في مؤتمر الحوار.

ولعلّ المتابعين يتذكرون أن قرارات التعيين في تلك الفترة كانت تصدر يومياً، وبالجملة، لمصلحة خصوم المؤتمر وحدهم، وخططت تلك الحكومة لعمليات مقصودة لإقصاء واستبعاد المؤتمريين من أجهزة الدولة، وفي الشأن العام ارتكبت مخالفات مالية جسيمة، وبدّدت المال العام والمنح والمساعدات الخارجية على منظمات وهيئات أنشأها حزب الإصلاح على عَجَل بدعوى العناية بأسر شهداء ثورة فبراير وعلاج جرحاها وتعويض الضحايا، حتى إن رئيس الحكومة وهب شركة هاتف معروفة 8 مليارات ريال بذريعة التعويض عن خسائر لحقت بها. ومن خلال الحكومة مارسوا فساداً فاحشاً، بإساءة استغلال الوظيفة العامة لتحقيق مصالح شخصية وعائلية وفئوية وحزبية لا سابق له في تاريخ الحكومات اليمنية. لقد حولت المؤسسات العامة إلى بيئات يترعرع فيها الفساد.. فضلاً عن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية، وتقييد الحريات واستخدام العنف ضد المعارضين بما في ذلك من تبقى من الثوار في الساحات مثل تيار تصحيح مسار الثورة الذين رمتهم بتُهم التآمر والخيانة والعمالة، وفي إحدى الحالات قمعتهم بقسوة أمام مجلس الوزراء. كما اتخذت القوى الرئيسية في تلك الحكومة نفس القرارات والإجراءات التي ثارت عليها، أو كانت تقف ضدها عندما كانت في المعارضة كاتفاقيات القروض الخارجية التي كانت تعدها ربوية فصارت تسمي الربا نفقات إدارية، وازداد اعتمادها على أذون الخزانة والدّين العام لسد العجز في الموازنة.

زادت حكومة باسندوة إلى ذلك كُله رفع الدعم الحكومي كلياً عن المشتقات النفطية، وهو القرار الذي اتخذ منه الحوثيون مبرراً لتنظيم مسيرات واعتصامات احتجاجية في العاصمة، فحاولت فضَّها بالعنف دون جدوى، وتزامن ذلك مع نزاعات مسلحة بين حزب الإصلاح والسلفيين وتنظيم القاعدة وبعض الأولوية العسكرية التي بقت على ولائها لعلي محسن من جهة، والمسلحين الحوثيين من جهة أخرى، بداية من دماج في محافظة صعدة، مروراً بمحافظتي الجوف وعمران، وعدد من مناطق محافظات حجة ومأرب وصنعاء، وانتهاءً بالعاصمة التي سقطت بأيديهم عصر يوم 21 سبتمبر 2014، ومعها سقطت حكومة ما سُميت بالوفاق الوطني.

لقد حرصت الحركة الحوثية، منذ البداية، على جذب بعض التيارات السياسية والجماعات والأفراد نحوها، لمؤازرتها، فخاطبت الجميع خطاباً يمسّ شكاواهم ومطالبهم، ومن ذلك الشعارات والخُطب المعادية للإقصاء والاستئثار بالوظيفة العامة والمال العام، وضد الفساد، وسياسة الإفقار والتجويع والجرعة، الأمر الذي جعل كثيراً من المواطنين يؤازرون تلك التجمعات الاحتجاجية الحوثية.

لوحظ أن راية المؤتمر الشعبي كانت من جملة الرايات التي رفعها المشاركون في المسيرات والاعتصامات الاحتجاجية على قرارات حكومة الوفاق، فرسخ انطباع لدى خصوم المؤتمر أن جزءاً منه صار مُتّحداً مع الحركة الحوثية، وعزّز هذا الانطباع بعد ظهور عدد غير قليل من قيادات المؤتمر وأعضائه علناً في تلك الفعاليات. ومن جهة أخرى كانت الحرب في عمران بين المسلحين الحوثيين ومسلحي خصومهم (حزب الإصلاح وأولاد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وأتباعهم) على أشدها، وقد انحاز مشايخ من قبيلة حاشد -ينتمون للمؤتمر الشعبي العام والحزبين الاشتراكي والناصري- لجهة الحوثيين، وضد آل الأحمر الذين كانوا يعدون عمران ضَيْعة خاصة بهم.. وتمكن الحوثيون، في نهاية المطاف، من طرد أولاد الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر من مناطق حاشد، ونسفوا قصورهم، ووضعوا أيديهم على مقرات حزب الإصلاح وجمعياته. ومنذ ذلك الوقت ساد اعتقاد مؤداه أن ثمة جناحاً في المؤتمر الشعبي أصبح متحوثاً، وهو اعتقاد غير صحيح كلية. ففي تلك المظاهر الاحتجاجية شارك رجال وشباب من أحزاب أخرى مثل الاشتراكي والناصري، ولكن لم يطلق عليهم وصف: الجناح الحوثي في الناصري، أو الجناح الحوثي في الحزب الاشتراكي، لسبب مفهوم. على أن ضحايا عمليات الإقصاء والاستبعاد والفساد وذوي المعاناة الأخرى الذين شايعوا الحركة الحوثية لبعض الوقت، بمن فيهم المشايخ المؤتمريون والاشتراكيون والناصريون لم ينتسبوا إلى الحركة الحوثية تنظيمياً، بل ظلوا يؤكدون انتماءهم لأحزابهم.

غير أن هذا لا ينفي وجود تيار داخل المؤتمر الشعبي العام، يتشارك مع الحوثيين موضوعات ثقافية واجتماعية أو أيديولوجية، ونعني بذلك الهاشميين الذين يتفقون مع الحوثيين في النسب الهاشمي والمعتقد الزيدي غير المتصالح مع السلفية والإخوان المسلمين، وهم في المؤتمر كُثر، وكان بعض المنتسبين لعائلات هاشمية يحتلون مواقع تنظيمية مهمة في هيكل الحزب، مثل: عائلة الشامي، وعائلة العماد، وغيرهما، وآخرون ينتمون إلى عائلات هاشمية مختلفة الألقاب. وإذا كان أشخاص هاشميون قد انحازوا إلى الحوثيين منذ 2014، ثم انحاز إليهم أعضاء في مجلس النواب كانوا ضمن الكتلة النيابية لحزب المؤتمر وهم ليسوا هاشميين، فإن ذلك لا يعبّر حقيقة عن جناح حوثي في المؤتمر، فقد تركوا الحزب أساساً، بينما هناك ألوف من الأعضاء ينتمون إلى عائلات هاشمية، ولا يرتبطون بالحركة الحوثية لا سياسياً، ولا مذهبياً، لغلبة النزوع الليبرالي فيهم، وهذا أمر طبيعي في الحياة اليمنية، والحياة السياسية منها، ففي قوائم حزب الإصلاح عدد كبير من القيادات ينتمون لعائلات هاشمية، مثل: الشامي، العماد، الديلمي، النهاري، وهلمَّ جرّاً، ولا يجمعهم بالحوثية جامع، بل إن الحوثيين يعيبون عليهم تخليهم عن الزيدية وتحوّلهم إلى سلفيين وإخوان.

لقد سقنا هذه الشواهد -وهي قليل من كثير- لدعم رأينا بزيف مقولة المؤتمر المتحوث أو الجناح الحوثي في المؤتمر، ومن ذلك الكثير وثيقة جديدة تؤكد أن العلاقة بين المؤتمر والجماعة الحوثية لم تكن جيدة في أي وقت.. ونعني بذلك الخطاب الأخير لرئيس المؤتمر الذي سجّله قبل أذان فجر 4 ديسمبر2017، أي قبل اغتياله بوقت قصير، حيث أشار أن التحالف معهم أملته الضرورة: احتضناهم وتحالفنا معهم لمواجهة العدوان، وقلنا لعلّ وعسى أن يكونوا قد تخلصوا من الماضي البغيض وتصرفاتهم الرعناء.. ووصف الحوثية بأوصاف ونعوت، واتهمها بما كان يعرفه عنها: عنصرية، سلوكها عنجهي، طائفي، ومناطقي، لا تعترف بديمقراطية ولا انتخابات، بل ولاية الفقيه، المرجعية، وظلمها في ثلاث سنوات فاق الظلم الذي وقع على اليمنيين في عهدي الإمامين يحيى وأحمد... الخ. ومنذ ذلك الوقت زادت الجماعة الحوثية قرارات الإقصاء والإجراءات الأمنية المصممة لإضعاف المؤتمر الشعبي، وتضاعفت قرارات الاستبعاد والإحلال وحالات الاعتقال منذ تولى القيادي المتطرف مهدي المشاط رئاسة المجلس السياسي الأعلى، تارة بجريرة التواصل مع العدوان وتارة بجريرة تزويده بالإحداثيات!

إن الرديف السياسي للحركة الحوثية يتمثل في أحزاب وجماعات أخرى، مثل حزب الحق واتحاد القوى الشعبية اللذين يغلب عليهما الاصطفاف الهاشمي الداعم للجماعة الحوثية بلسان الحال والمقال، منذ كانت في طور الجنينية. وأحزاب أخرى نشأت عقب الثورة الشبابية- الشعبية، فأكثر تلك الأحزاب الجديدة لا يختلف عن الحزبين المذكورين، وهي اليوم تشكل ثلاثة أرباع عدد الأحزاب السبعة عشر الحليفة للحوثيين في صنعاء.

إن تلك المقولة التي ذكرناها قبل، كانت في أصلها وفصلها من سبك خصوم المؤتمر الشعبي التقليديين، ولعبت وسائل حزب الإصلاح وبعض قياداته في الترويج لهذه المقولة على نطاق واسع حتى صار بعض المتابعين يرونها من المُسَلمات، وهذا مفهوم، لكن ما ليس بمفهوم أن يتلقف مؤتمريون هذه المقولة من خصم سياسي يعرفونه، ويسهمون في تسويقها بين الجمهور السياسي، لمجرد أن لديهم إحساسات نفسية خاصة مجهدة مع الهاشمية، أو مع الجماعة الحوثية عموماً، أو مع قيادات حزبهم، كما نجد في بعض السياسيين والكُتّاب الذين يسوقون ذلك في سوق الخلاف مع قيادة المؤتمر في صنعاء، ولا يفطنون أن حماقة كهذه تسهم في تعزيز حالة الانقسام حتى داخل الفريق الواحد. ومثال بسيط لذلك، أن الخمسة أو الستة الذين امتنعوا عن حضور الاجتماع الذي عقده الرئيس هادي مع القيادات النازحة في القاهرة، منتصف أغسطس الماضي، طلعوا يرمون زملاءهم الذين حضروا الاجتماع بشتى التُّهم، وأنهم يرون أن قيادات المؤتمر في القاهرة التي وضعت يدها بيد هادي، لا تختلف عن قيادة المؤتمر في صنعاء التي وضعت بيد الحوثيين!

(*) عضو اللجنة الدائمة الرئيسية