فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

فصل المقال في أزمة حزب المؤتمر(8)

Thursday 28 February 2019 الساعة 06:56 pm

قد مر بنا الكلام عن الفريقين الرئيسيين المختلفين أو المتنافسين على قيادة حزب المؤتمر، وهما ما يسمى جناح هادي في الجنوب والرياض، وجناح صنعاء بقيادة أبو راس.

لنأت الآن إلى ما يسمى جناح أحمد علي عبد الله صالح. والحري في البداية الإشارة إلى أمرين اثنين يتميز بهما هذا الفريق: الأول منهما، أن لدى معظم قياداته نزوعاً ليبرالياً ظاهراً، ورغبة مؤتمرية في التحديث الفكري والثقافي والسياسي، لكنه يعتمد في خطابه الإعلامي على أفراد تعودوا على المألوف القديم، أو لم يتغيروا كفاية لكي يعملوا نزعات التحديث والليبرالية في خطابه، ويمكن للمتابع المدقق أن يلحظ اضطراباً بادياً في خياراتهم، فمن جهة يؤكدون أن فريقهم قوة جديدة حداثية، ومن الناحية العملية يهتدون بأسوأ ما في التراث التاريخي الديني والسياسي اليمني والعربي. وفي الوقت الذي يتعهدون فيه بالأخذ بالنهج السياسي الديمقراطي للزعيم صالح والقيم السياسية والاجتماعية التي رسخها، كالقبول بالتعدد الثقافي والمذهبي واحترامهما، والحوار والتسامح والتعايش والتضامن، وإعلاء مكانة الإنسان، وأفضل ما عبر عنه في الخطاب الذي سجله قبل اغتياله.. تجد عدداً منهم يستجر الماضي، ويستحضر منه أخبث محفزات الكراهية والعداوة والتمييز العرقي والمذهبي والجنسي. وتحت لافتة الحداثة يسوق إرث صالح بخطاب إعلامي تقليدي شائن، فضلاً عن العناية بما هو احتفالي، وتمجيد الأشخاص، وتبني المقولات السلفية، وإعادة استخدام مقولات وشعارات قديمة طالما أشهرها خصوم المؤتمر في وجهه، ووجه صالح نفسه، ومن نوادرهم أنهم أقاموا مهرجاناً جماهيرياً في بلدة تهامية صغيرة قبل نحو ثلاثة أشهر، فوزعوا على المحتشدين في تهامة لافتات من قبيل: يا صنعاء ثوري ثوري نحو القصر الجمهوري!

الأمر الثاني أن هذا الفريق ليس بمسابق في توسيع الخلاف القائم، نظراً لميل قياداته للحفاظ على الحزب، على الرغم من أن عدداً قليلاً من أعضاء اللجنة الدائمة وعدداً أقل من أعضاء اللجنة العامة المحسوبين على هذا الفريق لا يكتفون بتوسيع دائرة الخلاف بينه وبين فريق الرئيس هادي وفريق أبو راس، بل يعملون على خلق خلافات داخل الفريق المحسوبين عليه، بحكم ضعف خبراتهم التنظيمية والسياسية، فقد حصلوا على عضوية اللجنة الدائمة أو العامة في ظروف استثنائية، والعجيب أن قيادة هذا الفريق تسكت عن أشخاص يفتون ويقررون في قضايا مؤتمرية دون حلم أو فطنة، وهم أصلاً لا علاقة لهم بالمؤتمر أو ليسوا أعضاء فيه، بل حسبوا أنفسهم على المؤتمر فجأة حين أدركوا أن مصالحهم الشخصية تتحقق من خلال قيادة الفريق.

ونشير هنا إلى أن القيادات الموالية لأحمد ليست متفاهمة كفاية في ما بينها حول ضرورة التزام الفريق بعدم الإسهام في إضعاف الحزب، وعدم قبول أي مطاعن يوجهها المزايدون إلى المؤتمر باسمه، ويظهر لنا أن هؤلاء وبعض المكابرين الذين طرأوا على القيادة في وقت سابق، كانوا وراء البلاغ الصحفي اللطيم الذي نشر يوم السادس من شهر فبراير الماضي، عن مواضيع ونتائج الاجتماع المنسوب إلى أعضاء اللجنة العامة وأعضاء الكتلة النيابية للمؤتمر في الخارج (دون تحديد مكان الاجتماع، أو من ترأسه. دون ذكر اسم قيادي واحد. دون تحديد أي خارج هو الذي وجدوا فيه، القاهرة أم غيرها). نعم، لقد تجاهلته القيادات المؤتمرية الرصينة الموالية لأحمد، ولم تتعامل معه وسائل الإعلام التي تُحسب عليه، ولكن هذا لا يكفي.. كما تجاهلته تماماً قيادة المؤتمر في صنعاء الذي هاجمها كتبة البلاغ الصحفي المذكور. بينما تعامل معه مؤتمر هادي في الجنوب تعاملاً ملتبساً في نفس اليوم، من خلال تصريح صدر باسم الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي في عدن، وهذا التصريح المكون من ست فقرات لم يختلف كثيراً عن ست تغريدات من أحد وزراء حكومة الرئيس هادي انتقد فيها ما سماه بيان القاهرة، وهو ليس ببيان، بل بلاغ صحفي، ثم إنه لم يصدر من قيادات المؤتمر في القاهرة رسمياً.. إن هذا يرينا أن المزايدين في الجانبين يورطون القيادات المؤتمرية العاقلة في مواقف توسع دائرة الخلاف أحياناً. 
،،،
قلنا قبل، إن هذا الفريق لا يشارك في سباق توسيع الخلاف المؤتمري القائم.. هو أيضاً ليس بالمسابق القوي في مضمار التنافس على قيادة الحزب. فمكامن قوته أنه يضم مجموع القيادات المؤتمرية المرموقة التي نزحت إلى الخارج في أوقات متفرقة ولأسباب مختلفة، غير تلك المرتبطة بالرئيس هادي والموالين له. وأكثرية هذه القيادات تقيم حاليا في العاصمة المصرية، ويعتقد أنها ترى في السفير أحمد علي عبد الله صالح الشخص المناسب لخلافة والده في زعامة الحزب، كونه امتداداً للزعامة التاريخية التي كان يمثلها المغدور به والده.. ومن هنا جاء مسمى جناح أحمد علي، ويطلق عليه آخرون مسمى مؤتمر ابو ظبي باعتبار الأخيرة الداعم الأساسي لهذا الفريق، كما يُقال، وهذا الداعم يعد ثاني مصادر وجاهة ممثليه، إلى جانب اتكائهم على مكانة أحمد وسمعته الحسنة، ويكمن وزنه وتأثيره الحقيقيان في أحمد، وفي الأدوار البارزة التي يؤديها عدد محدود من رجاله كالشيخ سلطان البركاني، وربما الدكتور أبو بكر القربي، إضافة إلى رجال مخلصين، أعضاء في اللجنة العامة مثل أحمد الكحلاني، ويحيى دويد، وتأثير أقل لأشخاص صاروا أعضاء في اللجنة العامة بقرارات أصدرها رئيس الحزب في الفترة السابقة استناداً للتخويل الممنوح من اللجنة الدائمة الذي أشرنا إليه مرارا في المقالات السابقة. وهناك احتمال أن يكون قد انضم إلى هذا الفريق مسئولون محليون سابقون مثل دهشوش، وبعض أعضاء اللجنة الدائمة، وخاصة أعضاء مجلس النواب الذين تمكنوا من مغادرة صنعاء في الفترة الأخيرة مثل ناصر باجيل، وهناك قيادات أخرى معروفة ما تزال صامتة، لكن يعتقد أنها تميل إلى هذا الفريق.

قلنا في مقالات سابقة، إن فريق الرئيس هادي في الرياض والجنوب له زعامة هي هادي نفسه، وفريق صنعاء أيضا يدور حول قطبه أبو راس، أما بالنسبة لهذا الفريق، فمن الناحية التنظيمية أو الهيكل التنظيمي، ليس له زعامة معلنة.. إنه يحسب على السفير أحمد علي، لكن هذا الأخير لم يدع حتى الآن زعامة المؤتمر، أو قل لم يصدر منه ما يفيد أنه يسعى لقيادة الحزب بعد والده. وقبل نحو عام سمعنا من كاتب مقرب منه أن قيادات المؤتمر التي سافرت إلى أبو ظبي في ديسمبر 2018 لتعزيته بفقد والده، حاولت استنهاضه للقيام بدور أساسي في قيادة المؤتمر في المرحلة الراهنة، لكنه أكد لها أنه ليس في موقع قيادي يساعده على ذلك فضلا عن القيود المفروضة عليه، وأن اختيار الخلف وإصلاح الخلل الذي تعرض له الحزب يقع على عاتق تلك القيادات نفسها.
وعلى عكس وجهة نظرنا هذه يرى بعض المشايعين أن زعامة هذا الفريق كائنة في أحمد علي الذي سيغدو رئيسا للحزب ذات يوم، وربما رئيسا للجمهورية، مستندين إلى بعض الشواهد المتمثلة أساسا في مظاهر سلوك تشير أن صاحبه يؤديه قصدا بصفته زعيما، وهي شواهد معروفة بل مألوفة، مثل أن الرجل دأب على محاكاة تقليد مشهور لوالده، حيث يرسل برقيات مجاملة إلى الشخصيات المرموقة في المجتمع اليمني، ويستقبل شخصيات عامة عربية وأجنبية مهمة، وينسبون إليه قناة تلفزيونية ووكالة اخبار، ويقولون أيضا إن القيادات المؤتمرية التي تحوم حوله تؤدي أدوارا لتمكين زعامته، كما تعكس تأثيره في أوسط حزب المؤتمر، لاسيما في المستويات التنظيمية العليا. فضلا عن زعمهم عن دور قام به لدفع حكومة الإمارات العربية المتحدة لتقديم الدعم للقوات التي يقودها العميد طارق محمد عبد الله صالح، وصار لها دور مشهود في المعارك الحربية الدائرة في ما بات يسمى الساحل الغربي.

نقول إن استنتاج المشايعين المبني على المظاهر المذكورة، والمزاعم الأخرى التي تفتقر إلى المصداقية، ليس كافيا لتغيير وجهة نظرنا السابقة حول عدم وجود قيادة معلنة لهذا الفريق تنافس على زعامة حزب المؤتمر. مع ذلك فإن وجهة النظر هذه لا تعني أن أحمد علي عبد الله صالح قد أصبح زاهداً فجأة، وأنه يمضي أوقاته في أبو ظبي في تعشيب حديقة داره، وإنما هناك عدة عوامل أو أسباب يدركها، تقف ضد طموحه السياسي، وهذه العوامل ظاهرة مشهورة على أية حال، فمن جهة ليس لأحمد موقع قيادي في المؤتمر، فأعلى صفة قيادية حاز عليها هي عضوية اللجنة الدائمة، ولم ينلها لدور ما سياسي أو تنظيمي، ولكنه اكتسبها من نتيجة الانتخابات النيابية للعام 1997، إذ رشحه حزبه في تلك الانتخابات، وفاز بمقعد الدائرة العاشرة بالعاصمة (أو الدائرة 11، والعتب على الذاكرة)، فصار عضوا في مجلس النواب، وهذه الصفة النيابية أكسبته العضوية في اللجنة الدائمة، إذ إن النظام الأساسي للحزب ينص على أن مرشحه في الانتخابات النيابية يصبح -في حال فوزه بمقعد نيابي- عضوا في اللجنة الدائمة تلقائيا. لكن أحمد فقد هذه الصفة الحزبية وفقا لقانوني الأحزاب والانتخابات، إذ بموجبهما يتعين على الشخص تجميد عضويته في الحزب أو تقديم استقالته منه، إذا صدر قرار بتعيينه في وظيفة مثل سفير أو قاض أو قائد عسكري أو عضو في لجنة الانتخابات العامة والاستفتاء، وقد عينه والده قائدا للقوات الخاصة والحرس الجمهوري، وبعد تولي عبد ربه منصور هادي منصب رئاسة الجمهورية أوائل العام 2012 أبعده عن المؤسسة العسكرية وعينه سفير الجمهورية اليمنية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ثم عزله من السفارة. واليوم صار باب الحزب مفتوحا له، ومن حقه استئناف نشاطه كعضو لجنة دائمة للمؤتمر الشعبي. على أن العضوية في اللجنة الدائمة على أهميتها لا تكسب صاحبها مركزا قياديا رفيعا ومؤثرا في الحزب. تتكون اللجنة الدائمة من أكثر من ثلاثمائة عضو، ويصعب على أي منهم المنافسة على زعامة حزب بسهولة، إلا إذا كانت مكانة أحمد علي عبد الله صالح الاجتماعية المعروفة، والمناصب التي شغلها، وتجمع القيادات الموالية حوله، والتأييد الخارجي قد أكسبته ميزة.

ومن جهة ثانية يدرك معظم الموالين للرجل أنه ما يزال خاضعا لشروط أو عقوبات دولية، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي ما يزال ساري المفعول منذ أصدره المجلس منتصف شهر إبريل 2015، ولم تفلح المطالب التي وجهها والده، ووجهها حزبه ومجلس النواب، ولا المناشدات وحملات الهشتاغ التي يوجهها الموالون والمتعاطفون إلى الأمم المتحدة والرئيس هادي برفع اسمه من قائمة العقوبات. إن الملابسات السابقة حدت من قدرة هذا الفريق على احتلال مساحة معتبرة في ميدان الخلاف الرئيسي، أي التنظيمي.

من جانبنا نرى أن الصعوبات التي تقف أمامه ليس في تلك العقوبة الأممية، بل صعوبات أخرى من بينها المكان الذي وجد فيه منذ بداية الحملة العسكرية التي سميت عاصفة الحزم وحتى الآن، وهذا المكان يقع خارج الجمهورية اليمنية. إن القرار المذكور نص على تجميد أرصدة المشمولين به ومنعهم من السفر، ولم يحظر عليهم ممارسة أنشطة سياسية، بدليل أن والده الرئيس السابق صالح ظل رئيسا للمؤتمر وكان يقوم بأدوار سياسية فاعلة بينما كان من ضمن المشمولين بعقوبة تجميد الأرصدة والمنع من السفر. إن قيادات في حزب الإصلاح وُضعت في قوائم الإرهابيين لدى كل من مجلس الأمن الدولي، ووزارة الخزانة الأمريكية، والدوائر المعنية في السعودية والإمارات ومصر، ومع ذلك يمارسون نشاطاتهم السياسية بحرية، على الرغم من أن التهم الموجهة إليهم أخطر ألف مرة من التهمة المنسوبة للسفير.

،،،
هل لهذا الفريق سند إضافي يقويه في الفريقين الأول أو الثاني أو في كليهما، وهل هذا مطلب أو هدف له؟ يمكننا الحصول على أكثر من إجابة لهذا السؤال المركب. قيادات مهمة في فريق السفير أحمد علي، يبلون في مجال التقريب أو الوئام التنظيمي بين الفريق وفريق الرئيس هادي، ويقابلهم عدد أقل من فريق الرئيس هادي، كما سنرى في المقال التالي. هناك عدد من الموالين للسفير لم يتغير موقفهم من الرئيس هادي عما كان عليه في العام 2013. في أغسطس الماضي حين نظم مستشارو هادي اجتماعا للقيادات في العاصمة المصرية قاطعت الاجتماع قلة قليلة من القيادات المحسوبة على أحمد، على الرغم من ان أكثر القيادات المؤتمرية التي نزحت إلى الخارج استقرت في القاهرة، ومعظمها يدعي الانتصار للسفير. كان عدد المقاطعين ستة، وقد بنت تلك القيادات موقفها على اقتناعاتها أن هاديَ لم يحسن إدارة موارد سلطته الشرعية، ولم يحسن في علاقته مع حزبه، كما ترى أن يكون أحمد علي طرفا رئيسيا في لملمة الحزب وفي قيادته، وفي السلطة أيضا، بينما الرئيس هادي لا يقبل بذلك، ولهذا لم يستجب حتى الآن للمناشدات التي طالما دعته للقيام بدور مسؤول وفعال من أجل رفع اسم السفير أحمد من قائمة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن، بينما كان هادي المتسبب الأول في وضع اسمه في قائمة العقوبات، وبناءً على هذه الحيثيات حكمت تلك القيادات بعدم تقبل هادي في رئاسة الحزب. إلى جانب ذلك تعتبر عاصفة الحزم عدوانا ولم يكن ثمة مبرر للرئيس هادي استدعاء الخارج بذريعة استعادة السلطة الشرعية، فما حدث بين الأفرقاء اليمنيين هو خلاف داخلي حول السلطة والمصالح الاقتصادية، كان يمكن معالجته بالحوار بين الأطراف السياسية للوصول إلى اتفاق مقبول من الجميع، بل لقد كان الأفرقاء اليمنيون يتحاورون حينها في موفنبيك برعاية الأمم المتحدة ممثلة في المبعوث الأممي جمال بنعمر، وأمسوا على وشك الوصول إلى اتفاق لتسوية الأزمة السياسية، وهذا ما أكده بنعمر في احاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي أواخر إبريل 2015.. وعلى خلاف فريق الرئيس هادي يتمسكون بالإبقاء على الجمهورية اليمنية موحدة كما هي منذ مايو 1990، الوحدة اليمنية، ويطرحون نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات، بينما يتمسك الرئيس هادي ومؤيدوه بمشروع الدولة الاتحادية بالأقاليم الستة، وقد بدأ بتنفيذ الأقلمة فعلا قبل الاتفاق على مشروع الدستور الجديد وإقرار عرضه لاستفتاء شعبي عام. وبالنسبة لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي يبني هادي سياساته عليها، لا يسلمون بجميع المخرجات، بل فقط بالتي تم التوافق عليها، فضلا عن أنهم يعتبرون الجيش الوطني لهادي مجرد مليشيات، وفي أحسن الحالات يطلقون عليها اسم القوات الحكومية عند الإشارة إليها في خضم المعارك الدائرة اليوم.

،،،
ذلك هو موقف هذا الفريق من الفريق الأول الذي يترأسه الرئيس هادي، أما لجهة الفريق الثاني، أي القيادة في صنعاء، نشير أولا إلى أن أبو راس أصدر قبل نحو شهرين -بصفته رئيس المؤتمر الشعبي- قرارا تنظيميا بترفيع أحمد علي عبد الله صالح إلى عضوية اللجنة الدائمة الرئيسية، وهذا أمر ليس مفهوما بالنسبة لنا لأن الرجل عضو لجنة دائمة أصلا، إلا إذا كانت قيادة صنعاء ترى أنه قد فقد هذه العضوية لسبب ما، وإذا كان الأمر كذلك فماذا يعني ترفيعه لعضوية اللجنة الدائمة الرئيسية؟ ترفيعه من عضو لجنة دائمة محلية مثلا؟ لا نعرف أن هذه الصفة كانت له.. وهذا تساؤل ليس غير، فنحن لا نذهب مذهب المجهدين نفسيا القائلين إن أبو راس أراد الاستهزاء بالرجل، بل نعتقد أن قرار ترفيعه يراد به التقدير، والتأكيد أن المؤتمر هو سيد نفسه وقراره، وليس أداة بيد الحوثيين، ويدعم هذا الرأي النداء الذي وجهته الكتلة النيابية للمؤتمر الشعبي في مجلس النواب -في نفس الفترة المذكورة- إلى الأمم المتحدة بشأن إلغاء العقوبات المفروضة على السفير أحمد علي. على الرغم من أن وسائل إعلام المؤتمر في صنعاء تضع المقاومة الوطنية التي يقودها ابن عم السفير أحمد في خانة مرتزقة العدوان!

إن الموقف الظاهر لهذا الفريق من قيادة المؤتمر في صنعاء يتسم بخليط من التسامح والإعذار، وما هو شخصي أيضا. حيث يحبذ بعض منها تجنب أي سلوك -وإن كان لفظيا- يؤدي إلى استعداء القيادات في صنعاء، وقليل منهم تلعب علاقاتهم الشخصية مع ابوراس دورها في خفض مستويات الخلاف، بينما هناك عدد قليل يفجرون في الخصومة، وهم عادة شبان من الجنسين طرأوا على المؤتمر يفتقرون للثقافة السياسية والتنظيمية، وقد أشرنا إليهم قبل قليل. أما المآخذ المذكورة سابقا على الرئيس هادي وفريقه، فإن معظم قيادات هذا الفريق تتفق بشأنها مع القيادة في صنعاء، نعني بذلك الوحدة اليمنية، مخرجات الحوار المتفق عليها، وهلمّ جرا.. وتختلف معها حول نوعية معينة من القضايا، من بينها استمرار التحالف أو الشراكة مع الحوثيين بعد الدعوة لانتفاضة ديسمبر واغتيال رئيس الحزب صالح.

،،،
لجهة قضية مهمة هي محل فخار الرئيس هادي، وجيران اليمن، لم تُظهر القيادات الأساسية في هذا الفريق -موضوع هذا المقال- موقفا مؤيدا لعاصفة الحزم. بل لم يتبن السفير أحمد أي موقف لا تأييد ولا إدانة، فهو يقيم في أبو ظبي منذ كانت عاصفة الحزم. لقد بقي صامتا، والساكت لا ينسب إليه قول، حسب التعبير الفقهي. أما مؤيدوه المرموقون فظلت مواقفهم منها تتغير تبعا لحرارة العلاقة مع الرئيس هادي، وتبعا لدرجة الخلاف المتصاعد مع الحوثيين، والذي بلغ ذروته عقب اغتيال الرئيس التاريخي للحزب بأيديهم في ديسمبر 2017، لكن بعد وقت قليل من اغتياله صار العميد طارق محمد عبد الله صالح -ابن عم أحمد- مشاركا بقوات عسكرية في الحرب ضد الحوثيين في تهامة، تدعمه وتموله الدولة الثانية في التحالف العربي لدعم الشرعية، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، وأغلبية هذه القوات هم من ضباط وجنود الحرس الجمهوري التي كان يقودها أحمد، ورجال أمن بقوا على ولائهم لوالده الرئيس السابق حتى النهاية. وهذه القوات التي أطلق عليها في ما بعد مسمى حراس الجمهورية، تمكنت خلال أقل من سنة من طرد الحوثيين من تخوم مدينة تعز كالمخا والبرح وموزع والوازعية، وواصلت التقدم نحو الخوخة، وأصبحت الآن في محيط مدينة الحديدة، ولولا اتفاق السويد لشقت طريقها نحو ميناء الحديدة وانتزعته من الحركة الحوثية. ونجد أنه من المناسب هنا التنبيه إلى أن القول إن هذه القوات تمثل الجناح العسكري لهذا الفريق المؤتمري، ينطوي على خبث سياسي واضح الهدف، كما رأينا في التغطية الإخبارية من قناة العربية للمعركة التي دارت في صنعاء بين الحرس بقيادة طارق، والمقاتلين الحوثيين، حيث كان كتبة الأخبار وبعض المعلقين يقولون: قوات المؤتمر الشعبي العام.. وذلك لكي يرسخوا في ذهن الجمهور المتلقي أن لدى حزب المؤتمر تشكيلاً عسكرياً خاصاً به، وبالتالي فهو لا يختلف عن حزب الإصلاح. من المؤسف أن بعض المحسوبين على هذا الفريق يسوقون الخطأ الفاحش نفسه.

(*) عضو اللجنة الدائمة الرئيسية