سمير الصنعاني

سمير الصنعاني

وثيقة العار الحوثية والمسؤولية المجتمعية

Friday 08 March 2019 الساعة 03:51 pm

مرة بعد أخرى تتسلل عصابة الحوثي إلى نسيج المجتمع بأفكارها الهدامة، مستخدمة شتى وسائل التفريق وإثارة الصراعات الخفية والعلنية بين الناس من أجل خدمة مصالحها ومشروعها المذهبي والطائفي العنصري البغيض.

آخر ما أنتجته أفكار المليشيات الحوثية هو ما تسميه وثيقة الشرف القبلية.. وهي، بلا شك، وثيقة عار ستظل وصمة تلطخ جبين كل من شارك في إعدادها أو الإسهام في الترويج لهذه الوثيقة من المشايخ وأبناء القبائل الذين يرتكبون بالانضمام إلى هذه الوثيقة والتوقيع عليها أو الترويج لها جريمة مضاعفة بحق النسيج الاجتماعي وبحق أبناء القبائل وبحق أنفسهم قبل ذلك كله.

وثيقة العار القبلية التي ابتدعتها العصابة الحوثية كانت قوبلت حينها برفض سياسي باعتبارها وسيلة لإنتاج وتكريس ثقافة الحقد والكراهية والثار والانتقام بين أبناء القبائل على المستوى الأسري ثم على المستوى المجتمعي، واضطرت العصابة الحوثية إلى السكوت عنها لفترة لكنها عادت للحديث عنها وإشهارها بقوة بعد أن أعلنت قبائل حجور الانتفاضة على سعي المليشيات تركيعها بالقوة.

إن مشكلة وثيقة العار التي أنتجتها المليشيات الحوثية أنها تسعى لشرعنة جرائم هذه العصابة النازية بحق المعارضين لها بطريقة فيها من الخبث واللؤم والمكر والخديعة ما يجعل قيادات هذه العصابة بعيدين عن المساءلة عن هذه الجرائم مستقبلاً، وتحميل أبناء القبائل مسؤولية ارتكاب الجرائم بحق ذويهم وأقاربهم، وبالتالي تحويل الجرائم إلى قضايا ثار قبلي مستقبلي سيظل ينتج أعمال قتل ودمار متواصل، فيما سينعم قادة العصابة الحوثية بجني ثمار هذه الثارات سواءً اليوم عبر ضرب خصومهم من القبائل ومشايخها أو عبر إشغالهم مستقبلاً عن ملاحقة ومقاضة ومحاكمة مرتكبي الجرائم الحقيقيين بحق أبناء قبائلهم من قيادات العصابة وإدخالهم في أتون صراعات مستمرة ومتجددة هم بعيدون عنها كل البعد.

والأخطر من هذه الوثيقة أن هناك تعاملاً سياسياً وثقافياً وإعلامياً بارداً جداً حيال هذه الوثيقة الخطيرة، وباستثناء ردود فعل قليلة حتى الآن لا يظهر في الأفق رد فعل حقيقي ومدرك يشكل حملة رأي عام مواجهة ومضادة لهذه الوثيقة الكارثة، وإيضاح حقيقة ما تحمله من أهداف خبيثة ترمي لتحقيقها عصابة لا تعيش إلا على تفريق الآخرين واستثمار خلافاتهم ومعاركهم واستغلالهم في تنفيذ مشروعها العصبوي السلالي العنصري.

إن ثمة مسؤولية مجتمعية يتحملها الساسة والمثقفون وقادة الرأي حيال إيضاح وتفنيد أهداف ومخاطر ونتائج هذه الوثيقة على النسيج الاجتماعي والكيفية التي ستعمل بها على إنتاج صراعات مستقبلية في أوساط المجتمع والناس والقبائل والأسر وإحداث شروخ لا يمكن أن تلتئم في جدار النسيج الاجتماعي الذي كلما كان متفككاً وهشاً وجدت المليشيات والعصابة الحوثية بيئة ومرتعاً تعيش فيه.

وبقدر وجاهة وأهمية ما برز حتى الآن من ردود فعل سريعة ناقدة وكاشفة لحقيقة الكارثة التي ترمي لصنعها هذه الوثيقة، فإن المطلوب أن تكون هناك حملات إعلامية تفند مخاطر وتبعات هذه الوثيقة، وعدم التساهل معها باعتبارها قضية آنية يمكن الخلاص منها، فالمليشيات الحوثية تستغل كل شيء وأي شيء لصالح تنفيذ مشروعها وبأي وسيلة متاحة أمامها، بغض النظر عما إذا كان هذا الشيء أو هذه الوسيلة مشروعة أو غير مشروعة، وذات بعد أخلاقي أو بلا أخلاق، فما يهم العصابة المذهبية المقيتة هو تحقيق أهدافها في السيطرة والبقاء، وبقاؤها يعتمد بدرجة أساسية على العيش في وحل الخلافات ومستنقع التباينات خاصة بين أبناء القبائل الذين تحولهم إلى وقود لمعاركها في البقاء في هرم السلطة والحكم تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان.