عمر القاضي

عمر القاضي

تابعنى على

وجهان لدمار واحد

Thursday 02 May 2019 الساعة 08:34 am

صنع الحوثي بالبلاد ما لم تصنعه أي كارثة... ما لم يصنعه انهيار السد وحكم الإمامة.. وإني كمواطن يمني لم أرَ قط في حياتي مثل دناسة حزب الإصلاح ومراوغاتهم وعدوانيتهم تجاه بلادهم.

كل يوم تصلني أخبار سيئة ويزداد يقيني أن كل القتل والدمار والخسائر البشرية والنفسية التي يواجهها هذا الشعب بسبب طرفين فقط: الحوثيين، والإصلاح.. والاثنان يحملان نفس سياسة السيطرة ذات سياسة الاستحواذ.. ونفسها العقول الدينية المتحجرة، نفس السياسة التي تفرض عليهم استخدام الدين لتنفيذ مصالح وأجندة شخصية.

أستغرب أحياناً لماذا يتعادون إلى هذا الحد في أرض الواقع ولكنهم يجتمعون في كراسي العمالة لقطر على طاولة واحدة وسياسة واحدة بالقتل وحب الاستحواذ والسيطرة على السلطة بشكل دائم، وعدم قبول أي شريك سياسي أو شريك في السلطة..

ما يحدث اليوم في تعز من قتل ودمار.. أصوات القذائف والانفجارات لم تتوقف في كل مساحات هذه المدينة والرعب يطرق الأبواب كل يوم، ما يصنعه الإصلاح اليوم صنعه قبل ذلك الحوثة القناصون المنتشرون في أرجاء المدينة أصوات قذائف الدبابات والدماء التي تسيل بالشوارع والكثير من مشاهد وصور الحرب المروعة التي تجعلنا نقف في ذهول نستغرب إلى أي حد وصل إليه هؤلاء المجرمون القتلة ولأجل ماذا كل هذه الدماء البريئة.

كل هذا لأجل السلطة، كل هذا لفرض القوة واستعراض القدرات في السيطرة... إنه صراع النفوذ في تعز، الموضوع ليس له شأن بدولة أو تنفيذ أوامر وتوجيهات الدولة.. إنه فقط صراع بسط النفوذ واستعراض القوة.. الإصلاحيون لا يقبلون بشريك في الاستحواذ وقلتها قبل ذلك إن الإصلاح لا يقبل بأي مكون سياسي أو قوة عسكرية يشاركها الحكم.

تعز التي يسيطر عليها الإصلاح منذ فترة طويلة بترويج الأفكار واستغلال الجوانب التعليمية والثقافة الخاصة بهم اليوم يجني ما زرعه من أيديولوجية دينية مقيتة في جذور هذه المدينة، يجني الأرواح.. روحاً تلو الأخرى.. فقط لغرض وحيد وهو ذات الغرض لا يفرق عن ذلك الغرض الذي يسعى له الحوثيون. "بسط النفوذ في هذه المدينة".

الحوثيون لم يخسروا المدينة بالرغم من أن هذه المدينة قدمت الكثير من الأرواح في سبيل النضال الوطني والسعي إلى تحرير مدينة تعز لتعود إلى سابق أيامها، وعمل أبناؤها على إخراج الحوثيين وأذاقتهم العذاب في جبالها ووديانها.. قراها وشوارعها، بغية عودة تعز إلى وضعها الطبيعي، لكن كان الأمر أكثر صعوبة، ولا يزال، لأنهم سلموا المدينة والأمر لهذا الحزب الذي لم يكن عند مستوى المسؤولية.. وها هم الإصلاحيون يمضمون على نفس مسار الحوثيين ونفس بشاعة ما صنعوه بهذه المدينة.

هذه المدينة التي كل ما حاولت التشافي من جراحها يعود المجرمون لإضافة جروح أخرى.. المدينة التي حفظت بكاء الأطفال الأيتام وصراخ الثكالى وأصوات المدافع ورائحة الموت..
المدينة التي اختفت رائحة الخبز منها وانتشرت رائحة الحرب.. لم يترك الحزن باباً في هذه المدينة إلا وطرقه.. ولم يترك الإصلاح ولا الحوثيون زقاقاً في تعز إلا ونشر به أفكاره المتشددة وأسال على قارعته الدماء.

أتذكر آخر مرة زرت بها المدينة التي أنتمى لها.. "تعز" والتي انقطعت عن زيارتها وزيارة أسرتي هناك لمدة طويلة تجاوزت الخمس سنوات، كان منظر المدينة مفزعاً ومحزناً بالنسبة لشاب عشق تفاصيلها منذ الصغر.. وعلى مدخلها لوحة ما زالت معلقة بالرغم من كل الدمار الذي حولها ما زالت تشعر بالمسؤولية تجاه هذه المدينة وتحفظ اسمها ووصفها السابق قبل الحرب.. كان مكتوباً عليها "مرحباً بكم في عاصمة الثقافة تعز".

تحسرت كثيراً أن هذه العاصمة يحكم قبضتها الآن أكثر فصيلين يحملان عقولاً متحجرة ولا يدركان الثقافة ولا يعرفان قيمة هذه المدينة، بعد أن كانت قبلة للثقافة والمثقفين وأصبحت قبلة للمسلحين والمقاتلين والمجرمين.