فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

الإصلاح والإرهاب (2)

Tuesday 28 May 2019 الساعة 07:14 pm

رأينا في المقال السابق الدفاع الركيك الذي دافع به حزب الإصلاح عن القيادي الحسن أبكر عضو مجلس شورى الحزب ورئيس فرعه في محافظة الجوف.. إن وزارة الخزانة الأمريكية اعتمدت على معلومات مضللة.. إن أبكر قائد مقاومة.. لكن في الحالات الأخرى التي ضبط الحزب متدثراً بجلباب الإرهاب، لم يصدر منه أي دفاع عن النفس أو عن ذوي القربى.

لدى حزب الإصلاح مشكلة هنا.. إنه -بصفته جماعة إخوان مسلمين- يعتنق العقيدة نفسها التي تعتنقها جماعة الإخوان المسلمين، وهي بطبيعتها عقيدة تدخل فيها مركبات فكرية وثقافية وسياسية تجنح نحو التطرف الديني والإرهاب، وزاد هذه المركبات بله أو ارتقاء درجات جديدة في سلم العنف والكراهية، تغلغل فكر السلفية الجهادية في أوساطه، فحولت هذه المركبات من نظرية إلى حركة وفعل من قبل كثير من الإصلاحيين، الذين يصعب التمييز بينهم وبين عناصر تنظيم القاعدة أو داعش.

يعتبر الحزب الإرهاب والتحالف مع التنظيمات الإرهابية مصدر قوة له، وهذا دقيق، لكن هذه تغدو في الأخير نقطة ضعفه بفعل متغيرات تطرأ دائماً، فخلال السنوات الأخيرة لم يدافع هذا الحزب عن قياداته المتورطة بدعم وتمويل وفعل الإرهاب، وقد لفت انتباهنا مراراً أن وسائل إعلامه حين تضطر لنشر أخبار أو وقائع على صلة به جرياً على عادة الوسائل المختلفة عنها، فإنها تعمى عن العنصر الجوهري في الخبر أو الواقعة كما سيمر بنا في مقال تالٍ.

برزت نقطة الضعف تلك خلال السنوات الأخيرة، كما قلنا قبل.. في إحدى الحالات تسبب الإصلاح في تعرض رئيس الشرعية لحرج إضافي غير لذيذ، كما في مثال القيسي.. رشح حزب الإصلاح أحد قياديه -وهو نايف صالح سليم القيسي- لمنصب عسكري رفيع بوصفه مقاوماً شرعياً، فأكرمه الرئيس هادي برتبة لواء، ثم أصدر قراراً جمهورياً في ديسمبر 2015 بتعيينه محافظاً لمحافظة البيضاء، وسواءً كان هادي يعرف أو لا يعرف وهذا هو الأرجح، فقد تمكن الإصلاح من تعليق سليته في مؤخرة الرئيس. كان القيادي الإصلاحي القيسي في الوقت ذاته قائداً مرموقاً في تنظيم القاعدة.. استغل الرجل هذه الوظيفة الحكومية الرفيعة لخدمة تنظيم القاعدة، من خلال تدابير اتخذها لتمكين التنظيم من توسيع سيطرته في محافظة البيضاء. ونظراً لدوره ذاك أدرج مكتب مراقبة الأصول الخارجية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (أوفاك) اسم المحافظ القيسي في قائمة داعمي وممولي الإرهاب بموجب القرار التنفيذي رقم 13224، وكان ذلك في شهر مايو 2016.. وعددت وزارة الحزانة الأمريكية من بين الأنشطة الإرهابية التي زاولها، أنه قدم دعماً مالياً ومادياً لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ العام 2014 (أي قبل أن يكون مقاوماً للحوثيين وقبل عاصفة الحزم)، وإنه كان اعتباراً من العام 2016 مسؤولاً في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وممولاً له بأموال من مصادر خارجية وأسلحة، وأسهم في التخطيط لعمليات إرهابية.

بعد أن عينه الرئيس هادي محافظاً لمحافظة البيضاء تلقى ما يسود الوجه، فمثلاً لاحظت ذلك لجنة الخبراء في الأمم المتحدة المعنية بمراجعة العقوبات، فخرجت في شهر أغسطس من العام نفسه تنتقد قرار الرئيس هادي. لم يبد حزب الإصلاح أي تعليق -حسب ما نعرفه الآن- إذ إن هادي هو الذي عينه محافظاً في حكومة الشرعية، وبالتالي عليها أن تدافع عن رجالها. على أن القيسي هذا نفسه أدرج اسمه في شهر أكتوبر 2017، في قائمة الإرهابيين لدى دول مجاورة، من بينها المملكة العربية السعودية، إلى جانب القيادي الإصلاحي أيضاً هاشم محسن عيدروس.

مثل ما فعل القيسي أثناء توليه منصب محافظ محافظة البيضاء، كان القيادي الإصلاحي البكري يفعل عندما عينه هادي محافظاً لمحافظة عدن، باستثناء أن البكري لم يعرف عنه أي ارتباط مكشوف بتنظيم القاعدة، لكنه اتخذ تدابير ساعدت تنظيم القاعدة على فرض أحكامه الخاصة في الحياة العامة والسيطرة على كثير من مؤسسات الدولة في عدن بما في ذلك الحيوية منها مثل الميناء، فضلاً عن تنفيذ عمليات إرهابية استهدفت رجال جيش وشرطة ومدنيين.

صحيح أن تنظيم القاعدة كان له دور مهم في مكافحة الحوثيين وطردهم من عدن، لكن نفوذه لم يكن ثمرة ذلك الدور، بل نتيجة للنفوذ الإصلاحي في المحافظة وهو نفوذ كان قائماً قبل اجتياح الحوثيين، وتزايد بعد عاصفة الحزم. لم تتخلص من الإرهاب عدن -أهلها ومؤسساتها والمحافظين المستقلين الذي خلفوا المغدور به جعفر- إلا بعد انحسار النفوذ الإصلاحي، ولم تستعد مؤسسات مثل الميناء إلا ببلاء شديد أبلاه شلال شايع ورفاقه في سبيل مكافحة الإرهاب، وفي تلك الأثناء كانوا عرضة لهجمات يومية، وبسببها خسرت المؤسسة الأمنية كثيراً من خيرة شبابها.