سعيد الرَكْنَه

سعيد الرَكْنَه

ماراثون الخارجية.. مناصب بلا رأس وقيادة مترهلة

Saturday 15 June 2019 الساعة 02:42 pm

مؤسف أن يصبح هم الجميع وشغلهم الشاغل هو تعين وزير للخارجية، وكأن هذا المنصب الفارغ سيحل كل مشاكل الوطن ويستعيد الدولة المسلوبة.

والمؤسف أكثر أن الأمر تحوّل إلى مبارزة ترشيحات ساخنة وساخرة.

ولكنه اليأس وفقدان الثقة بالقيادة المشلولة التي تترهل كل يوم دون أن تكسب ثقة نفسها قبل ثقة الشعب من دفع الناس للمشاركة في ماراثون الترشيحات كلٌ بحسب ثقته وحسن ظنه لعل وعسى أن يصلح العطار ما أفسد الدهر.

لكن الخارجية وحدها ليست المشكلة، فلدينا من الوزراء والسفراء والوكلاء والنواب ما يفوق طاقة الدولة وأكثر بكثير من حاجة المرحلة، ولكن ما الذي قدموه؟

وما غاية وجودهم في مناصبهم ومدى تحركاتهم لإقناع العالم بعدالة القضية الوطنية وما مستوى الإنجاز، وقد بات العالم يتواطأ مع جماعة الحوثي كل يوم أكثر من سابقه لهشاشة خصومها؟

ما معنى أن تكون وزيراً أو سفيراً في حالة حرب؟ ارجعوا بذاكرتكم وتصفحوا كتب التاريخ وكيف تحرك قادتها في لحظات الحرب يا عارنا الكبير.

برغم كل الترهل والتضخم الوزاري والدبلوماسي في صف الشرعية، من المؤسف القول إن الشرعية لم تنجز على مدار أربع سنوات منظومة يؤهلها للصمود شهراً واحداً.

فلو تخلت السعودية والإمارات عن الشرعية لعادت السفارات العربية والعالمية للعاصمة صنعاء واعترف العالم بالحوثي، لأن الخلل ليس في وزير أو سفير بل في منظومة الشرعية من الرأس حتى الجوارب.

العبرة ليست في المنصب الفارغ أو الذي يجلس عليه وزير أو سفير فارغ لا يهتم غير بتدفق المخصصات.

لدينا الكثير جداً من الوزراء والسفراء والوكلاء والأغبياء الذين لا يحسنون تقديم أنفسهم فكيف سيقدمون للعالم ما تعيشه البلاد من دمار وتدجين طائفي وتمزيق اجتماعي وانعدام أدنى متطلبات الحياة.

بل على العكس فقد تركت الشرعية المجال لخصومها بدون مقابل حتى استطاعت منظمات يديرها ثلاثة أشخاص تابعة للحوثين أن تقنع العالم أن ما يحدث هو صراع سياسي بين طرفين لا انقلاب على الدولة وأن الحوثي وجماعته أقلية محاربة وأنهم السكان الأصليون.

وبالمقابل لدينا من العقول والشخصيات الوطنية المؤهلة الكثير جداً خارج دائرة المناصب الكرتونية وحقائب المحاصصة والاعتمادات، وبمقدورهم تحريك المياه الراكدة لو أوكلت إليهم مقاليد الأمور شريطة أن يكون ذلك في ظل قيادة يؤرقها مصير الوطن وشعبه، وهذا ما لا ينطبق على قيادة المرحلة.

هذه الشخصيات النزيهة والوطنية لو عرضت عليهم الوزارات والسفارات على طبق من ذهب لرفضوها احتراماً لأنفسهم ولرصيدهم الأخلاقي، ونأياً بذواتهم بعيداً عن الانخراط في حكومة وشرعية العار التي تثقل كاهل الشعب ولم تقدم له شيئاً بالمقابل قديمها وجديدها.

أعود وأكرر، مشكلتنا ليست في المناصب الشاغرة بل في المشغورة والفائضة عن الحاجة والتي تدير شؤون نفسها أكثر من إدارة شؤون البلاد.

مشكلتنا في استخدام الأدوات والمفاهيم القديمة من ذات الشخوص والعقول القديمة التي لم تستوعب الدروس بعد ولم تفرق بين السلم والحرب والتي تعيش معزولة عن هموم الشعب منشغلة بمضاعفة أرصدتها وعقاراتها منتظرة للعالم أن يعيدها إلى سدة الحكم، هذا إن كانت تريد أن تعود.

مشكلتنا، للمرة الألف، ليست في نقص وزير، فلدينا رئيس بلا رأس ولا لسان، ونائب لم يستوعب أين كان ولا أين هو الآن ولا كم تبقى من عمره ليحترم البدلة العسكرية التي يرتديها ويقدم ما يمكن أن يغسل تاريخه الإقطاعي الخالي من أي لحظة مشرفة ومشرقة ومثله الرئيس الذي وجد نفسه في مكان أكبر منه.

لا نريد وزراء، نريد قيادة محترمة تحب البلاد وتريد لها الخلاص، تسكن في غرفة عمليات لا في أفخم الفنادق والفلل، قيادة للشعب لا عليه، ولنا في قيادة الكويت أثناء غزوها من العراق أسوة حسنة.

نريد قيادة تجوع مثلنا، تصج أذن العالم بمعاناتنا من ويلات الانقلاب الطائفي، وتعاني مثلنا.. لا قيادة تنام في غرف مدهونة بالعودة وتتقاضى ثمن دمائنا آلاف الدولارات.

قيادة ترافق الجنود في ساحة المعركة لا قيادة تسرق رواتبهم وتؤمن مستقبل أبنائها وتحمي مصالحها لتطيل أمد بقائها في السلطة ولو كانت هذه السلطة مجرد غرفة في فندق خارج البلاد.

نريد قيادة مستعدة للموت معنا في سبيل استعادة الوطن لا قيادة تخاف على بشرتها من حرارة الشمس وعلى ثيابها من غبار المعارك مضحية بأبناء الشعب وجيشه مثلها مثل قائد الميليشيا الكهنوتية.

نريد قيادة تحرر البلاد لا قيادة تحرر الشيكات، قيادة تريد أن تعود للوطن منتصرة أو في صناديق الموتى قيادة ملهمة تصنع التاريخ نقتدي بها لا قيادة تريد أن يصنع لها التاريخ ما تريده وما تحلم به من داخل الغرف المكيفة إن كنتم تعقلون.

نريد قيادة تحاسب وتعاقب وتفرض وجودها في المناطق المحررة، قيادة لكل الشعب لا نسخة أخرى للميليشيا تمارس نفس سلوكياتها من الجرائم، وتصادر حرية الرأي، وتعتقل وتقتل من يخالفها، كما يحدث في تعز ومأرب.. قيادة لا تخذل الشعب ولا تتواطأ على انتفاضته لأنها تهدد مصالحها أو مصالح فئة فيها كما حدث في حجور.

نريد دولة وقيادة داخل البلاد لا في المنفى.. فهل نطلب المستحيل؟