فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

عورة الشرعية

Tuesday 18 June 2019 الساعة 10:55 am

حالة عدن صارت لطخة سوداء كبيرة في وجوه رجال الشرعية. يقول الناس هنا إنهم يعاقبون، وأن المدينة تعاقب.. لكن ما من سبب ظاهر يبرر هذا الادعاء، بما في ذلك ادعاء زائف مؤداه إن رجال الانتقالي لا يعملون ولا يتركون الشرعية تعمل. كل ما في الأمر أن سوق الرئيس هادي يجلب إليه البضاعة التي تنفق فيه.. بضاعة تحمل علامات تجارية من قبيل مهمل وفاسد وعاجز، فضلاً عن قليل من رجال العصابات الذين يعبثون بالكهرباء ويعربدون في الأسواق والأحياء. زعيم عصابة في أحد الأحياء لم يجد وسيلة للإبقاء على عمارته منارة ليلاً ونهاراً سوى أن يربطها بأربعة خطوط، بينما لديه قدرة على شراء مولد يزود عمارته بالطاقة الكهربائية.

ومن كسل وضعف وهوان الشرعية، أنها لا تأخذ ما هو لها وتعطي للناس خدمة مقابله.. البائعون في الشوارع يدفع الواحد منهم خمسة آلاف ريال في اليوم الواحد مقابل بسطة متر في متر ونصف.. تجبى منهم المبالغ باسم السلطة المحلية دون سندات، وفي حقيقة الأمر -كما قال لي أحدهم- أن كل شارع فيه تجارة من هذا الضرب يتملكه شخص نافذ وإليه تذهب تلك الأموال.

ليلة 9 يونيو هطلت على مديريات عدن أمطار غزيرة، فكانت ليلة لَيْلاء، لأن هذه النعمة حولتها الشرعية المهملة التعيسة الفاسدة إلى نقمة.. قبل سيول المطر كانت تسيل في الشوارع سيول المجاري.. منذ نحو شهرين إلى اليوم تسيل مجارٍ ضخمة من الهاشمي إلى مسجد العيدروس طولاً، ومن كل شارع فرعي يخرج سلسال مماثل أقل هديراً، وفي الجانبين تنتشر المطاعم والبوفيات والبسطات والناس يأتون يتسوقون ويذهبون كأنهم على ضفاف الرَّاين.. لا أحد يهتم.. هذا مجرد مثال خبره الكاتب.. إنه مثال ليس غير، وعليه قس فضائل الشرعية في سائر الأمكنة.

تهطل الأمطار فتجري السيول في جميع الاتجاهات توزع مخلفات البيوت والأفران والمطاعم ومحلات بيع اللحوم وبسطات عروض السمك والقات والأواني والملابس... وغير ذلك. لا أحد في عدن يتخلص من مخلفاته بطريقة مناسبة.. كل شيء يرمى إلى الشارع.. القمامة ترتفع كالتلال، وبين القمامة والقمامة قمامة، ولأول مرة ترى بعض الناس يتبولون ويتبرزون في العراء.

الجيفة تفوح.. القمامة تتعفن.. وكثرت الحشرات الضارة والكلاب والقطط.. هذه البيئة الوخمة التي تكدر الأنفاس وتقتل الأرواح، تترعرع فيها الأوبئة المختلفة، وهذا ما يفسر انتشار الأمراض انتشاراً ملحوظاً بين سكان المدينة ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً.. المستشفيات الخاصة والعامة تعج بالمرضى.. في الأحواش مرضى، وفي الأروقة مرضى، وفي العيادات الداخلية والطوارئ أنين وصياح.

منذ عشرة أيام بدأ الكلام عن عون سعودي لحل المشكلة.. والمشكلة قائمة وتكبر.. يقول الناس إن هذا العون مصيره مثل مصير غيره من المساعدات التي تدفقت إلى عدن واتجهت لجيوب وبيوت الشرعية.. يا لها من نكبة.