فهمي الكاشف

فهمي الكاشف

السعودية والحوثيون.. سؤال المستقبل

Saturday 17 August 2019 الساعة 08:09 pm

الحديث عن أي تحول قد يطرأ في علاقة جماعة الحوثيين بالمملكة العربية السعودية، يستدعي السؤال حول إمكانية حدوث هذا التحول من الأساس، بالنظر إلى خواص جماعة الحوثيين ونوع ارتباطاتها، ثم حول دلالاته إن حدث وأبعاده وكلفته وانعكاساته على المسألة اليمنية.

الحوثيون حركة كفاح جهادية "أصولية" روجت عن نفسها صورة تشجع على تصنيفها جيوسياسياً وأيديولوجياً ضمن محور استقطاب إقليمي تتزعمه إيران في مقابل محور آخر تتزعمه السعودية. وبالتالي فإن أي تحول نوعي محتمل في علاقة الحوثيين بالسعودية من العداء إلى وضع آخر غامض الملامح.. هذا التحول يثير فيضاً من الأسئلة عن نتائجه بالنسبة لمصير الجماعة في الداخل اليمني وبالنسبة لموقعها في نظام الاستقطاب الإقليمي.

هل سيكون تحول كهذا مشروطاً بمغادرة الجماعة لمحور إيران وحزب الله والانتقال إلى المحور المنافس بقيادة السعودية؟ وهل هي جاهزة ومؤهلة للقيام بقفزة هائلة من هذا النوع؟

هل تستطيع الجماعة تهيئة وتحضير أفرادها الذين تم تطعيمهم بشحنة عقائدية مكثفة تجعل من العداء للسعودية ركيزة من ركائز الوجود السياسي والأمني للجماعة منذ نشأتها، لمنعطف كهذا؟

ثم إن الجماعة إذا قررت التحول سياسياً عن محور إيران، فما الذي ستفعله بشأن ارتباطاتها الأخرى ذات الطابع الجيوثقافي المستمد من نموذج وأيديولوجية الثورة الإسلامية في إيران؟

هل من الممكن أن تنتقل الجماعة إلى علاقة ودية مع السعودية مع إمكانية الإبقاء على الأشكال والرموز والشعارات المنسجمة مع النسق السياسي للمحور الإيراني، أم أن هذه الأشكال والعناصر والرموز قابلة للمواءمة والتطويع بما يتناسب مع نظرة جديدة ونهج جديد إزاء السعودية. هل ستنقسم الجماعة في المستقبل إلى فصيل واقعي براجماتي وآخر عقائدي متصلب وجامد؟

وإذا لم تكن هذه الرموز والأفكار والشعارات، المرتبطة بمحور إيران وحزب الله، قابلة للمواءمة والتكييف والتوطين داخل محور السعودية، فهل ستتخلى الجماعة عن هذه الرموز الكامنة في نسيجها العقائدي وتشرع في إعادة تعريف نفسها وصياغة هويتها في إطار محلي وطبقاً لمقتضيات الواقعية السياسية؟

وهنا يبرز سؤال آخر: هل يمكن أن تأخذ عملية التحول المتوقعة في طبيعة علاقة الطرفين مساراً مشابهاً لما حدث في الستينات من القرن الماضي عندما اضطرت السعودية في الأخير إلى الاعتراف بنسخة "معتدلة" من النظام الجمهوري بعد أن قام الزعيم المصري جمال عبدالناصر بسحب قواته التي كان قد أرسلها إلى اليمن لتثبيت النظام الجمهوري في صنعاء وخاض في سبيل ذلك حرباً طويلة ومكلفة مع معسكر الملكيين المدعوم من السعودية حينها وعدد من الدول.. أم أن الحالة مختلفة هذه المرة وأكثر تعقيداً من حيث الظروف الدولية ومن حيث عناوين الصراع وأطرافه؟

لا يوجد ما يؤكد تمام التأكيد بأن يكون مسار التطورات المحتملة في علاقة الحوثيين مع السعودية، حرباً وسلماً، متماثلاً مع علاقة الإمام يحيى وحربه الشهيرة مع ابن سعود والتي انتهت بهزيمة الإمام عسكرياً وذهابه لمفاوضات أسفرت عن التوقيع على اتفاقية الطائف 1934، فهذا المسار معناه الاعتراف السعودي بالحوثيين حكاماً على صنعاء والشمال. ومعناه أن السعودية قبلت بخسارة حربها في اليمن. وهذه نتيجة ليست بالهينة على جميع الأصعدة. الإمام يحيى كان في وضع قانوني أقرب لكيان دولي معترف به. وكانت تلك الحرب تعرف باعتبارها حرباً يمنية سعودية، خلافاً للحرب الأخيرة التي لا يتمتع فيها الحوثيون بوضع قانوني وشرعي مشابه لوضع الإمام يحيى، كما أن السعودية دخلت هذه الحرب باسم اليمن وباسم الحكومة المعترف بها دولياً، وهو ما ينزع عن تدخلها العسكري صفة الحرب اليمنية السعودية.

وليس من المتوقع بالقدر نفسه أن تشبه التطورات في علاقة الحوثيين بالسعودية أي شكل من أشكال العلاقات اليمنية السعودية الرسمية وغير الرسمية في اليمن الجمهوري شمالاً وجنوباً.

من الجانب السعودي، لا يبدو أن ثمة مشكلة أيديولوجية تعيق انتقال العلاقة مع الحوثيين من الحرب والعداء إلى التعاون والصداقة. السعوديون، كما أدرك الباحث الأمريكي تشارلز شيمز، وهو محق في ذلك، أثبتوا أنهم "ليسوا مرتبطين أيديولوجياً بأي مجموعة في اليمن". شيمز الذي كتب مقالاً مطولاً عن الصراع في اليمن في سبتمبر 2018 لصالح موقع "أوسيس" للدراسات، استشهد بالانتقال المفاجىء الذي طرأ على علاقة السعوديين بأعدائها الشيوعيين في جنوب اليمن عام 1994، عندما ساندت حركتهم الانفصالية "في محاولة لإضعاف صالح ودولته". إلا أن جهد السعوديين "جاء بنتائج عكسية حيث هزم الشمال الانفصاليين"، بحسب شيمز، الذي يضيف أن "ما يهم السعوديين هو تأثيرهم، وهذا أيضاً يحدث بالفعل اليوم. لو أعطى الحوثيون ضمانات لحماية الأمن السعودي ونبذ التأييد الإيراني، فلن يواجه السعوديون أي مشكلة في التوصل إلى اتفاق معهم، كما كانوا سيفعلون في عام 2016 تقريباً".

فضلاً عن مثال قياسي آخر يدعم وجهة نظر شيمز، حيث أيدت السعودية في ستينات القرن الماضي أتباع الإمامة الزيدية ضد الجمهوريين المدعومين من جمال عبدالناصر. ويعلق هذا الباحث بالقول: "تُظهر هذه الخطوة بوضوح أن الانقسام بين السنة والشيعة لا يرتبط إلا في بعض الأحيان بالتحالفات السياسية".