محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

يد السلطان قابوس تصفع اليمنيين

Wednesday 11 September 2019 الساعة 08:39 am

عندما اندلعت ثورة ظفار أواخر ستينيات القرن الماضي ضد حكم سعيد بن تيمور، والد السلطان قابوس، رفع البريطانيون شعار "يد الله تقتل الشيوعيين" وذلك لحشد الناس لقتال الثوار الذي حصلوا على الدعم والمساندة من النظام الاشتراكي في الجنوب اليمني، حيث ساهم الاشتراكيون اليمنيون في دعم هذه الثورة مادياً ومعنوياً وإعلامياً.

لن ندخل في تفاصيل تلك المرحلة وكيف تم وأد الثورة هناك، لكن ما نستشفه من تلك الوقائع أن الذاكرة السلطانية تحمل الضغينة والخوف معها، رغم تغير النظام السياسي في الجنوب اليمني وانتزاع المخاوف التي تهدد أي دعم أو مساندة لأي ثورة أو احتجاج في السلطنة.

تغرق اليمن في حروبها الداخلية، وتم فتح أبواب إمدادات هذه الحروب من كل جانب، وكان الباب العماني هو الأكثر اتساعاً والأوسع صمتاً والأكرم ضيافةً لطرفٍ في الحرب، هو الحوثي الذي يستمد قوته من إيران عبر هذه البوابة السلطانية، التي كنا نعتقد صمتها حياداً إيجابياً.

العروج إلى علاقة السلطنة بإيران يأخذ حيزاً واسعاً، ولكننا نرى إحدى صور هذه العلاقة القديمة في التعامل مع الحوثي ومنحه كل الوسائل والإمكانات التي تؤهله لإبقاء السيطرة على صنعاء والمساهمة في تفتيت المجتمع.

سلطنة عُمان مأوى الحوثيين في الخارج وبيتهم الذي ينطلقون منه ويستقبلون فيه الوفود الأجنبية وإبرام الصفقات السياسية، وهي بوابتهم التي تمدهم بالسلاح والمال القادم من إيران منذ بداية الحرب، رغم إعلانها الحياد الكاذب.

لأسباب سياسية ونفسية ومذهبية تقف عُمان وتدعم الإرهاب الحوثي، وتحاول أن تقدمه بالمساهمة مع إيران للغرب بصورة مدنية منفتحة ومرنة وقادرة على الحفاظ على مصالحهم وتبديد مخاوفهم، وهذا الوقوف القوي مع هذه الجماعة مكنها من كسب بعض التعاطف الغربي، هذا التعاطف مدفوع بالفشل الذريع للشرعية التي يسيطر عليها الإخوان وعدم وجودها الفعلي في أرض الميدان.

الخلافات العمانية السابقة مع الإمارات والسعودية جعلها تمد يدها وتساهم في استمرار لهيب الحرب وحصاد اليمنيين، لقد اعتبرتها فرصة للانتقام من الإمارات والسعودية بسبب تلك الخلافات -السياسية والحدودية- ومحاولة إغراقها في مستنقع الحرب اليمنية، معتمدة على عدم مشاركتها في عاصفة الحزم بصورة علنية، لكنها في حقيقة الأمر تقف في صف الإرهاب وتُعتبر الأنبوب الذي يمد الحوثيين بالغاز ليصلي اليمنيين ويزيدهم احتراقاً.

تقف الإمارات والسعودية أمام القضايا اليمنية وإعادة تحديد الأولويات لاستعادة صنعاء وإعادتها إلى مربع الشرعية، وتخوضان معارك شرسة في مواجهة الحوثي والإرهاب، وتقف السلطنة خلف أطماعها الصامته وأحقادها الخفية وتتستر بالحياد اللئيم وتحاول تصفية حساباتها على الأرض اليمنية وتحقيق أهدافها المشتركة مع إيران وأطماعها في اليمن والخليج.

وفي ظل الغياب والفشل المخزي للشرعية الإخوانية انفتحت الشهية العُمانية اتجاه محافظة المهرة، وفتحت خزائنها لشراء الولاءات القبلية هناك، واتسعت دائرة منح الجنسية للمشائخ، في محاولة لبسط النفوذ واتساع رقعته وتعميق الوجود العماني باعتبار المهرة حامية السلطنة من التنظيمات الإرهابية، ولمحاربة التواجد السعودي.

هذه الشهية المنفتحة لم تكن قبل وصول القوات السعودية إلى المهرة والعمل على إعادة تشغيل مينائها والبدء بالمشاريع التنموية، مما جعلها أي -عُمان- تأخذ بإشارات هواجس الخوف والقلق من التواجد السعودي المبرر تحت يافطة التحالف العربي.

نحن أمام حالة عدائية واضحة وبصمات مخزية ليد السلطان في اليمن، دعم الإرهاب والتطرف المتمثل في جماعة الحوثي وتحويل السلطنة إلى ممر عبور الأسلحة والأموال، وكذلك جعلها مأوى لعناصرها وتقديمهم للغرب بأقنعة مزيفة، ومن جهة أخرى محاولة ابتلاع المهرة مستغلةً التشتت والتمزق الذي تعيشه البلاد والحروب التي طحنتها.

الدور الذي تلعبه السلطنة العمانية في الملف اليمني ليس هيناً، إنه دور عميق وبالغ الخطورة. الهدوء الذي تبديه هي نار تحت الرماد، تخدم أهدافها وأطماعها المشتركة مع إيران لتعزيز قيم الشراكة السياسية والدينية بينهما على أرض اليمن وفي الخليج لاحقاً.