عبدالستار سيف الشميري

عبدالستار سيف الشميري

تابعنى على

شيء من كوارث إخوان اليمن

Tuesday 08 October 2019 الساعة 06:05 pm

تدور هذه الأيام سجالات مخجلة حول تورط بعض قيادات وأعضاء في الإخوان في اليمن، في جرائم مشينة تتعلق باغتصاب الأطفال، وهو موضوع قديم، أشارت إليه منظمة العفو الدولية في تقرير سابق وأصدر الذراع السياسي للإخوان، حزب الإصلاح، نفياً حينها.

لكن الأيام والوقائع الجديدة جاءت لتؤكد ذلك، وتكشف أين وصلت هذه الجماعة وأعضاؤها في الأخلاق والقيم.

وليس هذا بجديد، فجرائم الجماعة السياسية والاقتصادية ومؤامراتهم متعددة، عبر تاريخ اليمن، وربما في تاريخ تعز يبدو الأمر أكثر وضوحاً، كونها نقطة بدايتهم ومحط رحالهم وقطيعهم الكبير.

وسوف نسوق بعض أدلة في مراحل تاريخية مختلفة على كوارث الجماعة والتي تشكل غيضاً بسيطاً من فيض وافر، ينبغي رصده وتوثيقه، وتكرار عرضه كي يستبين المخدوعون من شباب اليمن زيف الجماعة وحزبها حتى لا يتعرضون لغسيل الأدمغة والانتماء غير الواعي أو الانتماء الاضطراري لظروف الفقر وغيره لهذا الحزب والجماعة.
ومن حق شباب اليمن على من سبقوهم نشر الوعي من خطورة جماعات الدين عموماً والإخوان على وجه الخصوص، كونها الأم لهم جميعاً والراعي الأبدي.

فمنذ ما سميت بالثورة الدستورية التي خطط لها موفد التنظيم الدولي للإخوان الفضيل الورتلاني وتخطيطه لما سميت بالثورة الدستورية وإحلال إمام مكان إمام آخر، ثم في ثورة 26 سبتمبر إلى اليوم كان الإخوان المسلمون في اليمن يعملون جاهدين على تفكيك المجتمع وضرب بعضه ببعض وإفساد أخلاقه وإجهاض أي محاولات للتغيير، وكانوا يتسلقون على جهود ودماء الآخرين كي يغنموا الغنائم ويحققوا المكاسب الصغيرة، تاريخ طويل من الانتهازية، ندلل عليه ببعض محطات من تاريخ اليمن وتعز تحديدا، كي نوقظ الذاكرة من جديد وليطلع شباب اليوم على بعض كوارث هذه الجماعة التي سطرت تاريخها بالدم والنهب والقتل والجريمة، ولا تزال تفعل ذلك مع سبق إصرار وترصد.

لقد قامت جماعة الإخوان بكل ما تستطيع لإجهاض مشروع سبتمبر وطموحاته العريضة، وعملت كل ما بوسعها ضد "ثورة 26 سبتمبر"، وهو ما عمل عليه المخلافي المرشد الأول في اليمن، وخلفه الزنداني وغيره.

وقائع تاريخية عديدة تؤكد بأن الإخوان المسلمين كانوا ضد الحلم الثوري، وضد كيان الدولة الوليدة التي حلم بها شعب تجرع الفقر والمرض والجهل، فانتفض حالما بفجر جديد عبر عنه البردوني بقوله:

أفقنا على فجر يوم صبي
فيا ضحوات المنى اطربي
أتدرين، يا شمس ماذا جرى؟
سلبنا الدجى فجرنا المختبي!

لم يتوقف الإخوان عند ثورة سبتمبر التي لم يكونوا من أنصارها، كونهم كانوا من أنصار الملكية الدستورية برداء الخلافة المصغر، وشارك مبعوث حسن البناء لليمن الفضيل الورتلاني ببعض أدبيات حركة 48 الدستورية، التي كُتب لها الفشل باكرا، كما أشرنا سابقا.

وبعد ثورة سبتمبر استمر الإخوان المسلمون بإجهاض كل حلم وتطلع لأي أفق مدني أو أي مشروع ينهض بالأمة اليمنية، لا سيما في الشمال، حيث مساحات عملهم في جنوب اليمن كانت محدودة لأسباب كثيرة.

وفي السبعينات حاولت تعز أن ترسم مساراً مدنياً لمدينة تعشق الفن والحب، وكان ابن تعز البار أحمد عبده سعيد، قد أخذ على عاتقه إنشاء متنزه تعز والسينما وحديقة الحوبان ومدرسة محمد علي عثمان، كحلم راوده، ومجموعة من تجار ورجالات تعز، بأن يؤسسوا منابر إشعاع وتنوير نوعي، في مدينةٍ حالمة أملها أن تكون أنموذجاً في هذا الاتجاه المدني والثقافي.

وبالفعل استطاعوا عمل البصمات الأولى لذلك الحلم والطموح، وفي المقابل كان الإخوان المسلمون بالمرصاد لهذا المشروع مكرا وتحريضا وتكفيرا، وحركوا كل أدواتهم الماكرة وأصواتهم باسم الدين ورعايته والحفاظ عليه، حيث أطلقوا العديد من الشائعات منها تلك التي على مدرسة محمد على عثمان، بأنها تدرس المسيحية، وعلى أحمد عبده سعيد أنه ماسوني.

هذا الاستعداء لم يكن سوى حلقة متتالية نحاول أخذ نماذج لها من عشرات القصص التي معظمها موثق وبعضها لا يزال في ذاكرة رفاق عايشوا تلك المرحلة، وليس هنا مجال لسرد كل التفاصيل على كثرتها، وقد نفعل في مناسبة أخرى.

كانت تعز عند قيام الوحدة تحاول أن تكون مرتكز الفعل السياسي، وفي حينها كان الإخوان في الضفة الأخرى يمسكون بتلابيب المحافظة، ويصرخون باسمها، لا.. لا للدستور.. وكان الزنداني يتجول من مسجد إلى آخر يهيج الجماهير، وترى الحشود تخرج كقطيع هائج لا يعلم إلى أين يساق، ولا لماذا تعارض دستوراً لم تقرأه؟!

وتوالت منهجية الإخوان في قتل وكتم أي صوت يدعو لصنع نموذج خاص بهذه المدينة الحالمة، دون جدوى.

وبعد قيام الوحدة شكل بعض نخبها فعلا سياسيا نوعيا، تَمثل في المؤتمر الجماهيري، وكانت أدوات الإخوان تفتك به قبل أدوات النظام.

وحتى على الصعيد الثقافي كانت الأصوات الحرة كعبد الحبيب سالم، وغيره هدفا يوميا لمؤامرات المقر، وأوامر المرشد الصغير.

وجاء شوقي هائل محافظاً لتعز يحمل حلماً ومشروعاً لمدينة تستطيع أن تحاكي دبي وتتفوق، كيف لا وهي تملك البحر والجبل والوادي.

الميناء الذي يمكن أن يكون نوعياً كالمخا، والجبل الذي يمكن أن يحول إلى منتجع سياحي كبير بامتياز كجبل صبر، والوادي الذي يمكن أن يأتي بخيراته العظيمة، والرجال والمال والمدينة، وقبل ذلك الحلم والطموح والعمل والحماس والإقدام، لكن لم يمهل الإخوان شوقي هائل فترة طويلة، فقد خرجوا إلى الشارع يقدحون بالرجل بكل نقيصة
وبألفاظ سوقية، وحركوا كل أدواتهم لقتل الحلم، والمشروع في بداياته، والتي كانت تعز على موعد مع بعض مفرداته.. إقامة مشروع التحلية في المخا، وتوسيع مطار تعز، وبناء ميناء نوعي.

وصاحبَ ذلك اهتمام نوعي بالجانب الأمني والخدمي، وتعز عاصمة الثقافه... الخ، لكن أجهض الإخوان هذا الحلم أيضا.

وعلى غير موعد أوقعنا الحوثي في كارثة تاريخية استوجبت من تعز، وهي المدينة المدنية، أن تخوض فعلاً مقاوما سلميا متدرجا ليصل للمقاومة المسلحة.

وكادت تعز أن تقدم أنموذجاً في المقاومة، لكنهم وبكل حماقة أفسدوا النموذج المقاوم، لا سيما في المدينة، وحولوه إلى تجارة حرب ونهب واستعداء وسجون، وقدموا أنفسهم أنهم تعز بأبشع صورة وتخلصوا من أي مقاوم أو ناشط ينقد الاعوجاج، كما تخلصوا من أي محافظ يحاول إعادة شيء من شكل الدولة، كما حصل مع المحافظ الدكتور أمين محمود.

وتعدى الأمر لإرهاب كل الناشطين والسياسيين، وكل من يحاول أن يرصد وجع المدينة الكبير وأحلامها المتوالية التي ذكرنا اليسير منها، على سبيل المثال لا الحصر، لجماعة تقتل الأحلام وتزرع اليوم صنوفا من الأحقاد على مستوى الأحزاب السياسية والمناطق المختلفة، وتؤجج العداوات وتزرع الضغائن وتؤسس لثارات وجروح تضرب في عمق وجدان أبناء تعز، سنعاني منها لسنوات طويلة قادمة.

وستكون اليمن في سنوات قادمة بحاجة إلى مواجهة انقلاب الحوثي وانقلاب الإخوان، ومسلسل مكائده المتدفقة التي لن يوقفها سوى العزل السياسي لهم كما حصل في مصر وغيرها من البلاد الأخرى.

تبقى تعز خاصة واليمن عامة، بأحلام مؤجلة ومستحيلة، ما لم يقوض نفوذ الجماعات الدينية وفي طليعتهم الإخوان، فهي أمهم جميعاً ومدرستهم الأولى مهما تلونوا وقدموا أنفسهم بنسخة سياسية كحزب الإصلاح، فاستراتيجيتهم إخفاء كيانهم المسلح وأجنحتهم السِّرية للعمل من تحت الطاولات.

وما لم يتم تضييق مساحات وجود هذه الجماعات، ستبقى اليمن تتخبط في دوائر الفوضى والصراعات المتلاحقة.