محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

عمائم طهران تسقط.. العراق لا يموت

Tuesday 05 November 2019 الساعة 01:06 pm

بسياساتها المخيفة بالخرافة وبعملائها المزدانين بعمائم قيدت العراق وكبلته وقادته إلى مرافئ طهران، يسقطها اليوم العراقيون بالوعي، ويتحررون منها بالشجاعة والخروج إلى الشوارع، ويسقطونها بالفكر المتحرر والمنطلق صوب الحرية المجردة من الأسمال الحوزاتية، ويسقطونها بالرفض الذي حرمتهم إياه طيلة ستة عشر عاماً منذ بدء الفتك بهم، وتلك المظاهرات هي الشاهد الأعظم أمام التاريخ الحديث بأن العراق يُظلم لكنه لا يموت.

لعبت إيران في العراق دورها البشع بكل احترافية، مزقت البلد وهتكت عقيدته الاجتماعية، وهدمت أسوار كينونته، وكادت أن تجرده من رؤوس كل العراقيين وتضع بدلاً عنها عمائم بيضاء وسوداء لا تسرهم ولا تحميهم ولا تقيهم من أليم الخرافة، ولا تمنع عنهم سرقة عقولهم وأفئدتهم وحاضرهم ومستقبلهم، وأما تاريخهم فقد نخرته وأوقدت عليه مئات الآلاف من الجثث، وبعثت فيه الفتنة الطائفية التي مزقته كجسد الحسين الذي أصبح بلا رأس.

صوت العراقيين اليوم هو صوت يقاوم جهابذة العمائم في المنطقة الخضراء وفي الحوزات المسيجة بالولاء الذليل، ويقاوم السطوة الدينية في كل مفاصل دولتهم وحياتهم، خروجهم بالثورة وانفجار صحوتهم بشكل مترابط، أسقطوا التقسيم الطائفي، وتجاوزوا حدود العصبية ونادوا: يا عراق.. يا عراق.

أمام المشهد الذي نراه يومياً في ساحات العراق لا نستطيع أن نستوعب هذا القدر من الاحتضان العراقي لنفسه، لأننا لم نكن نشعر بالألم والقهر الذي استوطن قلب العراقي ليجعله بهذا السخط الشديد تجاه طهران وعمائمها في بغداد.

سلطة العراق طائفية حسب الدستور النافذ من العام 2005م، سلطة فرضت الفساد في كل مفاصل الدولة، وعبثت بالثروة العراقية بشكل مخيف، وأمّنت مصالح أمريكا وآمنت بمصالح حوزات قُم، وحذفت مصالح العراق وشعبه.

لا جيش نظامي في العراق، لقد استبدلوه بميليشيات طائفية، جارة الحوزات تعيش عُقدة النظام، ولهذا تنشئ بدلاً عن الجيوش النظامية ميليشيات طائفية لتسهل السيطرة عليها عقائدياً، ولهذا تكون ميليشات الحشد الشعبي هو الذراع العسكري القوي لها في بغداد، والجيش النظامي الوحيد في العراق هو ما تبقى من الجيش الأمريكي بعد إعلان الانسحاب.

يعيش العراقيون في حالة من البؤس والحرمان على الرغم من الثروات، ويعيش العراق في حالة من الفوضى لم يستقر ولم يهدأ لتصارب المصالح وتعدد التوجهات في البوتقة الواحدة، لا يوجد حالة أسوأ من حالة العراق والعراقيين، وهذه الثورة ليست للندب واللطم والبكاء، إنها الصوت المتحرر الطافح من قيود العمائم ومخالب خارجية تنهشهم.

وكأن العراقيين قد أصبحوا من شعوب الخامنئي ليخرج عليهم بخطاب أن ثورتهم ممولة من إسرائيل وأمريكا، وأن ما يحدث في بغداد وبيروت هو منع لتحرير القدس، وأن هذه الثورات الموجهة ضده خيانة وعمالة، يخاطب العراقيين واللبنانيين وكأنهم قد أصبحوا تحت عمامته يحركهم بإصبعه.

إيران لا تنظر إلى جوع الشعوب وفقرها، وإلى التمزق الذي تعانيه والحروب التي تطحنها، إنها فقط تنظر إلى مصالحها وإن كان ذلك سيؤدي إلى سقوط المجتمعات والدول كما حدث في العراق ولبنان ويحدث اليوم في اليمن.

عملاؤها وعمائمها باسم الدين لا يهمهم شعوبهم، يخوضون الحروب من أجلها، ويمزقون المجتمعات من أجل مصالحها، ويعلنون ذلك دون خجل أو حياء، وكأنهم بأفعالهم الشنيعة تلك يصنعون حسناً، يمزجون أفعالهم بالدين ويقدمونها بقوالب عاطفية ما إن يبتلعها مجتمع ما إلا واكتوى بالحروب والمجاعات والفقر والظلم كما هو في بغداد وصنعاء وبيروت.

يقاومون ثورة العراق، والعراق يقاوم بطشهم وجبروتهم، يقاوم فسادهم ومخالبهم، لقد نهض العراق من بين وحل مرغوه فيه، ولن يعود إليه وإن أسقطوا ألف رأس بمقذوفاتهم، فهناك يولد ألف رأس في كربلاء وبغداد والبصرة ونينوى.. العراق لا يموت.