د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

المعقول عن الحل المقبول في اليمن!

Sunday 12 December 2021 الساعة 07:40 am

بخلاف ما قد يبدو. لطالما كان الحسم العسكري حلاً للحروب الأهلية والصراعات المحلية، لكنه حل كلاسيكي مكلف ومؤقت، وينجح فقط في حال انتصر طرف وطني يحمل مشروع دولة مدنية تتسع للجميع كما حدث في الحرب الأهلية الأمريكية "1861 : 1865". 

وبشكل أقرب حرب صيف 1994م في اليمن، فبالرغم من كل شيء. أفضت تلك الحرب إلى وضع معقول ولو بالحدود الدنيا، مقارنة بالوضع الذي قد يفضي إليه انتصار جماعة فئوية دينية. كالحوثيين أو الإخوان في الحرب اليمنية الراهنة.

من حسن الحظ أن هذا لم يحدث حتى اليوم، ولا يبدو أنه سيحدث قريباً، في حين أن فرص الأطراف والقوى ذات المرجعيات المدنية، بالحسم العسكري، ضئيلة، وإن كانت ممكنة في حال تغيرت موازين القوى العسكرية والسياسية لصالحها.

حتى ذلك الحين.. علينا أن نتعامل مع الوضع الحاصل على الأرض، بواقعية: 

الخارطة العسكرية القائمة بالغة التعدد والتعقيد، والحرب في عامها السابع، والاقتصار ينهار بتسارع مريع، وهناك قناعة شعبية ونخبوية متزايدة على أن الحرب ليست حلاً، وأن الحوار هو الخيار الوحيد للوصول إلى حل شامل ومستدام في اليمن.

لم يكن لهذه القناعة ما يسندها في بداية الحرب، كان كل طرف يتحدث ويتصرف على أساس أنه قادر على ازدراد غيره من الأطراف، فشل هذا كخيار بالنسبة للجميع، فضلاً عن كونه غير ممكن عملياً. ووصل بالجميع إلى طريق مسدود.

دفعت اليمن كلفة مهولة لهذه القناعة التي كانت متاحة مجانا منذ البدء، ومع ذلك ما زال هناك الكثير من العقبات والقوى التي تحول دونها، وتعرقل الوصول إلى حوار عام حقيقي فاعل لحل المشكلة اليمنية:

- بعض الأطراف الرئيسة لم تصل بعد إلى هذه القناعة، وما زالت تراهن على الحرب، وتتحدث عن الحوار كمناورة سياسية، ولديها شروط مرتفعة للدخول فيه، أو القبول بمخرجاته.!

- من جهة أخرى تبين أن الحرب في اليمن في جزء كبير منها حرب بالوكالة، بمعنى أن قرار الحرب والسلم ليس بيد الأطراف المحلية، بقدر ما هو بيد القوى الإقليمية والدولية المتصارعة.

- كما أن أكبر أطراف المشكلة اليمنية، كالإخوان، جماعات دينية ذات أبعاد وأجندات وامتدادات دولية، واليمن ليست ضمن قائمة أولوياتها غير الوطنية.

- على صعيد رابع. ظهرت وانتعشت خلال الحرب طبقات من تجار الحروب، وتعملقت مراكز قوى، وهذه الأطراف مستفيدة من استمرار الحرب، وتشعر بالتهديد على مصالحها المرتبطة بالفوضى والعنف واستمرار القلاقل والمعارك الطاحنة.

-  كما أن الحرب لم تصل بهذه الأطراف إلى حالة من توازن القوة والضعف. الجماعة الحوثية، تمتلك إمكانات دولة، وتعتبر نفسها منتصرة، ومن شبه المستحيل إقناعها بخطوات ضرورية للحوار والسلام. كتسليم السلاح.

هذه العوامل وغيرها تصعب للغاية مسألة الدخول في حوار شامل، أو الخروج منه بالتزامات جادة، لكن. في نهاية المطاف، لا مناص من الحوار، فهو كالقدر استحقاق لا يمكن تجاوزه، وفي كل حال. هناك أشياء لا بد منها لإنجاح أي حل للمشكلة اليمنية:

• أولاً، ما قبل الحل، أو التمهيدات الضرورية للحوار والحل الشامل:

- هدنة معلنة ووقف شامل لإطلاق النار.

- فتح المعابر الداخلية بين مناطق السيطرة.

- فتح المنافذ الدولية. موانئ ومطارات.. ووضعها تحت رقابة جهة مستقلة أو طرف أممي.

- السماح للمدنيين بحرية التنقل والحركة، وعدم القبض على أحد بدافع سياسي.

- تبادل إطلاق سراح الأسرى، وإطلاق أكبر قدر منهم.

- دفع رواتب الموظفين.

- وقف تدهور الاقتصاد، وحل مشكلة ازدواج العملة.

• ثانياً، تصور الحل الشامل للمشكلة اليمنية:

عندما تبدأ الحرب تصبح أسبابها تافهة، وبالتالي من غير العملي تصور أن حل المشكلة اليمنية يكمن بعودة جميع الفرقاء إلى نقطة الصفر لمناقشة الجرعة ومطلب الأقاليم حول طاولة الحوار التي كان يشرف عليها جمال بن عمر، في إبريل 2015.!

لقد جرت في النهر مياه ودماء كثيرة، أما ما هو الحل اليوم وما هي الإجراءات التي تفضي لهذا الحل فمن الصعوبة بمكان التنبؤ بها في الظروف الراهنة، حسن النوايا وحده لا يكفي لحل هذه المشكلة المركبة المعقدة، والحل النهائي يقتضي التوافق عليه بين الفرقاء على أرض الواقع، لا طرحه من خارج دائرة الصراع.

كما أن الشيطان يكمن في التفاصيل.. وإن كان من المؤكد أن الحل النهائي الذي سيتمخض عنه أي حوار مسئول لا يمكن أن يكون مقبولاً على نطاق واسع ودائم إلا إذا بني وفق مشتركات وطنية جامعة، وأكد في نقاطه العريضة على التالي:

• الحفاظ على وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه.

• الحفاظ على النظام الجمهوري.

• أن يكون هذا النظام قائما على أسس دستورية، بمؤسسات تمثيلية للشعب، والفصل بين السلطات.

• التزام هذا النظام على الصعيد الداخلي بالتالي:

- إنشاء سلطة دستورية غير قائمة على أسس جهوية أو سلالية أو عنصرية من أي نوع.

- إقامة دولة مؤسسات مدنية، تضمن في الحد الأدنى قيم المواطنة والمساواة والحرية السياسية وحقوق الإنسان.

• التزام هذا النظام على صعيد العلاقات الخارجية بالتالي:

- تجريم أدلجة علاقة اليمن بدول الجوار والعالم.

- عدم زج اليمن في صراعات المحاور الإقليمية والدولية.

- أن تكون هذه العلاقة محكومة بالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية التي تخدم اليمن أولاً.

• وبشكل عملي، يفترض قبل كل شيء تشكيل مجلس رئاسي توافقي تتمثل أولوياته في وضع خارطة طريق بفترة انتقالية محددة وخطوات ومزمنة، تتضمن: 

- تدشين مصالحة وطنية، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب.

- نزع سلاح جميع الميليشيات، وحلها، لصالح مؤسسة الجيش، ودولة تحتكر استخدام السلاح وتنفيذ القانون.

- صياغة دستور توافقي، والاستفتاء عليه، وتدشين انتخابات محلية ونيابية ورئاسية نزيهة وفي ظل رقابة متاحة ومفتوحة على العالم.