لا يفوت الحوثي أي فرصة لإرهاب اليمنيين، وقتلهم بشتى الطرق، قصفا، وحربا، وتفجيرا، وتعذيبا، وفي سبيل ذلك يعمل ليل نهار، ويحيك المؤامرات والأحلاف، مع كل المتناقضات من حوله، ابتداءً بالإصلاح، وانتهاءً بتنظيم القاعدة، وإن كان في وسعه التحالف والاستعانة بالشيطان نفسه لما تردد، ولعل هذا هو الفرق بينه وبين المناهضين له، فهو لا يكل ولا يمل ولا يتراجع عن تنفيذ هدفه، بينما يتضعضع المعسكر الرافض له بين خيانات وولاءات وحسابات حزبية وشخصية، جميعها شكلت وما زالت فرصة سانحة للحوثي للعبث والظهور بمظهر القوي المستحيل كسره.
بالأمس القريب كرمت حكومة الحوثي في صنعاء أحد العناصر الإرهابية المدعو عارف مجلي، والذي تم اعتقاله وسجنه لتورطه في التفجير الذي استهدف المدمرة الأمريكية "إس إس كول" في عدن، ولعل اللافت في الأمر أن الذراع الإيرانية في اليمن -جماعة الحوثي- ربما كانت تتوقع أن لا أحد سوف يلتفت لتاريخ الرجل، أو لمدى تخادم الجماعة مع المتطرفين والإرهابيين، وما أن انكشفت وبدأت الصحف الإلكترونية والناشطون يتحدثون عن ذلك، حتى بدأ ناشطو الجماعة ومتثاقفوها المؤدلجون بالتبرير، وتصوير مجلي كبطل قومي، حيث قال معظمهم حرفيا: (له الشرف والفخر أن ساهم في استهداف أمريكا) وهي العبارات التي تدغدغ الجماعة من خلالها البسطاء والمغرر بهم، ورغم ذلك وكالعادة تقف الجبهة المناهضة للحوثي عاجزة عن استخدام كل ما يجري للتوضيح للعالم وخصوصا أمريكا لحقيقة هذه الجماعة وتبنيها للإرهابيين والمتطرفين، ومدى خطورتها على فكر جيل بأكمله تتعمد المليشيا تربيته بهذه العقيدة المتخادمة والحاضنة لكل تطرف.
إن طريقة جماعة الحوثي في التعامل مع المتناقضات بما يحقق هدفها ويفرض مشروعها، ما هو إلا نسخة من الطريقة الإيرانية التي جمعت وزاوجت بين تيارات الإسلام السياسي (الإخوان) والفصائل والأحزاب والجماعات الشيعية ومولتهم جميعاً، وتحركهم وفقاً لمصالحها، وكل في إطاره وحاضنته، ولهذا نرى التواطؤ الإصلاحي مع الحوثيين، وكثيراً ما ظهرت توافقاتهم السرية للعلن، كتلك الهدنة التي منعت تقدم الجيش نحو صنعاء وبقائه معسكراً في نهم لسنوات نتيجة لتفاهمات "إصلاحية - حوثية" تحدث عنها القيادي الحوثي محمد البخيتي، كما أن التنسيق بين جماعتي الإسلام السياسي في اليمن لم يتوقف عند تلك الهدنة السرية، بل وصل إلى تسليم محافظات وجبهات للحوثي، وواحدية الهدف بينهما المتمثل في كبح وتثبيط والتآمر على القوات المشتركة في الساحل، وزعزعة الأوضاع في المحافظات الجنوبية، ولعل ما أعلنته القوى الأمنية في عدن من وقوف الحوثي وراء جرائم التفجير والاغتيالات التي تمت وبمساعدة وتسهيل من قيادات عسكرية وأمنية إصلاحية، إلا دليل على مستوى التخادم، وشاهد على الرغبة الحوثية في التنكيل باليمنيين في كل مكان، وخلط الأوراق وتهديد السلم والأمن الاجتماعي في كل شبر من اليمن خدمة للعقيدة الدموية التي تنتهجها هذه الجماعة التي تكرم المتطرفين وتحتضن وتؤمن القتلة الإرهابيين كما هو الحال مع صالح وديع.
لم يعد الوقت مناسباً أو مسعفاً للعب تحت الطاولة، لا بد من اللعب على المكشوف، وتسمية الأمور بمسمياتها، وقياسها بمدى نفعها وضرها، ولذلك إذا أراد اليمنيون أولاً، والتحالف معهم إنهاء هذه اللوثة، فعليهم قبل كل شيء تطهير الشرعية ومكامن صنع القرار العسكري والأمني والسياسي، من جماعة الإخوان، حينها سيكون الحوثي قد فقد أحد أهم عناصر مده بالمعلومة والتعاون، وتتضافر بعد ذلك الجهود الوفية لاستعادة الدولة وتحرير الشعب المختطف الذي يستخدمه الحوثي كدرع بشري ومصدر إثراء عبر المتاجرة بمأساته، وأجزم أن تخليص الشرعية من القيادات الإصلاحية المتذبذبة وإبعاد القيادة العسكرية الفاشلة والخائنة كفيل بتحرير الوطن وتوجيه صفعات مدوية وساحقة للحوثي في أقصر مدة.