الحياة بالنسبة لفريق من الناس مجرد ورطة، لما يتعرضون فيها من غَبْن ومعاناة وتَمْيِيز مُذِلّ؛ شرَّعه ذوو السطوة والنفوذ من البشر تحت مبررات شتى.. بينما ليست كذلك بالنسبة لآخرين.
وفي الحياة يعمل أناس بجد وإخلاص ويؤدون دورهم بإتقان، ومع ذلك لا ينالون ما يستحقون ولا يكافئهم أحد، بينما يستحوذ على كثير من التميُّز والمكافآت أناس وضعتهم الظروف وشريعة الغلبة حيث لا يستحقون.
أفلا يكون من العدل أن يكون ثَمّ يوم آخر {تَجِدُ (فيه) كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}؟
إن من أعظم فوائد الإيمان باليوم الآخر أن الإنسان المحروم يعيش على الأمل، ولا يقتل نفسه كمَدا؛ بل يستمر في الحياة بكامل قدرته وعطائه وتفاؤله.
والإنسان المتمكن يدرك أنه مسؤول عن حياته وما تحت يده، فيكون أكثر ضبطا لسلوكه حيث لا يمكن للآخرين ضبطه.
والعاقل -بعكس الأحمق- يحمي نفسه من المخاطر؛ حتى وإن كانت محتملة.
نعم -يا صديقي- هذه فكرة وعقيدة، وليستْ مسؤولة عمن يطبقها أو لا يطبقها أو من يطبقها بطريقة خاطئة، فتلك مشكلة الناس أنفسهم، وليست مشكلة الإيمان باليوم الآخر!
* * *
«العقل» كلمة رنانة تستهوي كثيرًا من الناس، ويتلاعب بها كُتَّاب ويُزايد بها آخرون؛ حتى أصبح مصطلح «العقلانية» وسيلة للتلبيس على البسطاء وازدراء الدين وتحقير المؤمنين.
مع أنهم يتحدثون عن العقل وهم يريدون عقولهم هم؛ إذ ليس هنالك عقل جماعي، ولكن لكل منّا عقل يتكون من مجموع المدخلات المعرفية التي تتوفر له.
فما هو معقول عند كثير من المتخصصين في أمر ما تجده غير معقول عند غيرهم.
أما الأحكام الأساسية التي يشترك في إدراكها البشر مع البهائم مثل تمييز الماء عن النار والليل من النهار، وما يؤكل وما لا يؤكل وما يؤلم وما لا يؤلم ونحو ذلك؛ فليست عقلًا، وإنما بعضه فطرة وبعضه تجربة.
صحيح أن هنالك تجارب بشرية تَوَافق على تصديقها كثيرٌ من العقلاء وأسهمت في عمارة الأرض وتشييد حضارة البشر، ولكنها تظل ضمن نطاق الماديات والمدخلات المعرفية التي نتلقاها عن طريق الحواس ونتفاوت في مستوى تحصيلها واستيعابها.
فالحكم في ذلك لصحة المعلومة، وليس لاستنتاج العقل.
فإذا كانت المدخلات المعرفية صحيحة كانت الاستنتاجات العقلية صحيحة وإن كانت خاطئة فستكون خاطئة.
* جمعه نيوزيمن من منشورات للكاتب على صفحته في الفيسبوك