البعض بخطاب انتقامي يُحمِّل ثورة فبراير كامل المسؤولية تجاه جميع الكوارث التي حلت باليمن منذ عام 2011 وحتى اليوم.
البعض الآخر يغالي بتوصيف فبراير بالثورة العظيمة ويبرهن على عظمتها بأنها أسقطت نظاما فاسدا وعابثا وسلطة أسرية..
ولكن أصحاب هذا الادعاء سرعان ما يتناقضون مع ذاتهم عندما يذهبون لتبرئة فبراير من كوارث الحروب والانقسام والتشظي وبطريقة متطرفة يعيدون تنسيب كل ذلك إلى شخص رأس النظام السابق علي صالح.
وهو تبرير متناقض تماما مع ادعاء الإنجاز لفبراير بأنها أسقطت النظام السابق.. مما يجعل ادعاء الإنجاز متناقضا تماما مع تبرير الفشل.
آخرون أكثر احترافية يجعلون من فبراير بأنها مشروع بناء دولة وأنها استطاعت أن تحقق منجزا وطنيا كبيرا وتاريخا عظيما تمثل في مؤتمر الحوار الوطني كمشروع جامع لبناء دولة مدنية وإحلال العدالة والسلام.
ولكن هذا الادعاء يتناسى بأن مؤتمر الحوار لم يكن سوى مشروع تنظيري مختزل داخل الموفمبيك دون أية بوادر عملية لإحلاله أو بعضه على الأرض كواقع عملي، بل ولم تكن القوى المحيطة بالموفمبيك وبما فيها قوى فبراير متقبلة لترجمته عمليا على الأرض.
فهو كغيره من المشاريع التنظيرية التي كانت أطرافها غير متقبلة بها وعلى سبيل المثال:
مشروع وثيقة العهد والاتفاق عام 1993 وما سبقها من مشاريع تنظيرية كاتفاقات الوحدة في الكويت وطرابلس و... الخ.. سابقا أو مشروع المبادرة الخليجية 2011 والتي كانت جميعها تنظيرية في ظل أوضاع ملغومة تحاول جميع الأطراف فيها كسب بعض من الوقت لترتيب صفوفها وقبيل الانتهاء منها تتسابق إلى تفجير الوضع عسكريا.
ومع ذلك فإني شخصيا أرى في مؤتمر الحوار بصورته النظرية بأنه كوثيقة يعد منجزا محسوبا لفبراير، ولكنه لا يعفي فبراير عن تحمل مسؤولية جزء كبير مما آلت إليه اليمن.
أعتقد ومن باب الانصاف بأن بوادر مخرجات فبراير ومنذ وقت مبكر كانت قد لاحت في الأفق لتخبرنا بكل أسف بأنها كارثية وذلك من خلال الآتي:
1/ فرض الوصاية والحماية على الثورة وإدارة قيادتها من قبل شخوص عسكرية وقبلية كانت دوافعها انتقامية وخصومة شخصية اتخذت من فبراير درعا للاحتماء ومسمى هجوميا للنيل من خصمها شخص الرئيس صالح.
2/ التفخيخ للمشهد اليمني في وقت مبكر قبيل مؤتمر الحوار وتترجم ذلك عمليا في الانقسام العسكري وتشطير العاصمه صنعاء عسكريا وما صاحبه من تفجير لمسجد الرئاسة في جمعة رجب وحرب حي الحصبة.
3/ احتلال عدد من الوزارات والمنشآت من قبل مجاميع مسلحة تابعة للشيخ الأحمر وباسم القبيلة مما عمل على تحويل حقيقة فبراير من حراك سياسي إلى صراع قبلي عسكري مختزل في شخوص فلان وفلان وفلان ضد صالح وأبنائه.
4/ ارتماء الأطراف اليمنية في أحضان دول إقليمية منذ أول يوم لحراك الساحات مع وضد.. الأمر الذي سلب القرار من أطراف الداخل إلى دول الإقليم.
5/ تحول حراك الساحات من حراك شعبي ضد النظام الحاكم ككل إلى خصومة شخصية قبلية عسكرية ضد شخص صالح وليقابلها هو الآخر بتخندق مضاد لها يغلب عليه الانتقام الشخصي المتبادل بين الطرفين بطريقة مفرغة تماما من حراك المشاريع السياسية أو الثورية.
6/ تعمد صالح ومعه المبادرة الخليجية تسليم السلطة إلى الرئيس هادي كقيادة هزيلة ضعيفة لا تمتلك قرارا ومفتقرة للرؤية القيادية.
كان جل اهتمام هادي التفكيك للمنظومة العسكرية تحت مسمى "الهيكلة" وتغذية مزيد من الصراع لخدمة مشروع التمديد للفترة الانتقالية للبقاء لوقت أطول وإسقاط المسؤولية عن ذاته وتحميلها السابق.
7/ الوصاية الفعلية من قبل حميد الأحمر على أحزاب اللقاء المشترك جميعها عن طريق ذلك الكيان المسمى ب"المجلس الوطني" برئاسة باسندوه؛ اسميا ككيان متحكم بقرار أحزاب اللقاء المشترك والتي تمت مشاركتهم عبره في السلطة مما جعل التقاسم في حكومة الوفاق يبدو تقاسما فيما بين الشيخ حميد الأحمر والرئيس صالح والشأن ذاته في التخندق العسكري للطرفين.
8/ تمترس أحزاب المشترك خلف حكومة باسندوة جعلهم يتحملون مسؤولية الدفاع والتبرير عن فشلها وقرارهم إخلاء الساحات أتاح لجماعة الحوثي انتهاز الفرصة لسد فجوة الفراغ في الساحات والشارع بتبني بعض مطالب الشارع مما مكنها من تقمص دور أحزاب المشترك سابقا والساحات للترتيب بكل سهولة لعملية الانقضاض على الجميع.
9/ عام التمديد للفترة الانتقالية منح جماعة الحوثي فرصة ذهبية لتنفيذ مخططاتها والانقضاض على الجميع وخصوصا بأنها وحدها القوة المتبقية في الساحات لإشباع نهم المتعطشين لاستكمال الثورية.
حيث عملت على تنفيذ مخططاتها من خلال استغلال صراع الخصومة الشخصية ونزعات الانتقام القائمة فيما بين صالح وأركان نظامه الأحمر القبلي والأحمر العسكري ونقمة الشارع ضد حزب الإصلاح المتهم بالفشل والعبث وما صاحبها من هوة بين أبناء الجنوب مع السلطة والأحزاب.. إضافة إلى توافر البيئة الخصبة لتحقيق رغبة التوسع الإيراني وحصول جماعة الحوثي أيضا على تمويل مالي كبير من قبل دولة قطر لإشباع رغبات انتقاماتها المحلية ضد "صالح" والإقليمية ضد السعودي الراعي للمبادرة الخليجية.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك