من المعلوم أن السجال المذهبي (الشيعي/ السني) كان تأجج أواره وهجيره من القرن الهجري الأول، وبخاصة بعد أن أسس معاوية (الملك العضوض).
لكن لا يعني ذلك حضور ووجود التأثير السجالي المذهبي العقائدي أو السياسي على الحياة العامة وعلى العلاقات والتواصل الثقافي والاجتماعي، وذلك عبر كل تاريخنا.
المأزق الذي نعايشه حالياً من كراهية تبادلية بين المذهبين هو نتيجة لمعطى حديث؛ تخلق مع تسييس وتعبئة المذهبيات بالأجندة السياسية، بعد نجاح ثورة "الخميني" ضد "شاه" إيران، وخوف الأنظمة الخليجية من تصدير تلك الثورة فتم مواجهتها من خلال إحياء المذهبية السنية وتبني تجميع الشباب من كل الأقطار العربية لمحاربة الاتحاد السوفيتي بدعم مالي من المملكة السعودية.
فوجدت المذهبية ترسانة ومنصة صلبة في دفع وتوجيه البراغماتية النفعية.
وصار كل مذهب ينفي الآخر ويدعي حيازة الحقيقة، وأنه وحده من يمتلك الحقيقة المطلقة، وهو معيار الدين الحق وما بيده حقيقة سوى دعاوى احتكار الإسلام ومسماه؛ ما يعني أن كل مذهب يتوهم التماسا مع الإسلام الأصيل، وأن ما عداه صورة لا أصل للدين الحق.
وهكذا تم استجرار أقوال الماضين، واستعادة دعاوى متهافتة بعيدة كل البعد عن العصر، وكل مذهب اختزل الدين في أمور شكلية ليست من الإسلام في شيء وإنما هي من إنتاج الفقه البدوي مثل تحريم الفنون والأغاني وإسدال اللحى والحجاب وتعدد الزوجات والسواك وتقصير الثوب، وقتل المخالف، والتسابق في التضييق على الحريات وإشعال معارك على رسوم كاركاتورية لرسامين أجانب وإقامة الدنيا وإقعادها تحت دعاوى الإساءة للرسول، بينما هم يسيئون إلى الإسلام والمسلمين وأن ديننا لا يقبل الرأي المخالف.
وهكذا كل يرى وجوده بنفي الآخر، وهكذا يسيئون إلى الإسلام، دين المحبة والرحمة والتراحم والتسامح، دين الحريات المطلقة حتى حرية الكفر بالله وبرسله:
"فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ".
الإسلام الذي لم يعط إنسانا سلطة على أخيه الإنسان مهما علا كعبه في الدين فقال لنبيه الكريم: "لست عليهم بمسيطر"، لكن عبدة المذاهب من الإسلام السياسي السني والشيعي يسيئون من حيث يظنون أنهم يحسنون، وكل حزب بما لديهم من بدع وخرافات فرحون.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك