عبدالله الدهمشي

عبدالله الدهمشي

تابعنى على

عن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية

Thursday 24 March 2022 الساعة 04:40 pm

ترتسم الجغرافيا السياسية للجمهورية اليمنية على خارطة مأزومة بعنف الصراع السياسي على السلطة والثروة، ومحكومة بتداعيات الفوضى التي صنعتها الأزمة في العام 2011م، وأنتجت بها التناقضات الطائفية والمناطقية ورهنت حاضرها ومستقبلها لدوامة التجاذبات الخارجية إقليمياً ودولياً.

قد لا تكون تعقيدات الصراع الدموي المدمر في اليمن بالبساطة التي تجود بها الكلمات وصفاً لجذور الأزمة أو تحديداً لمساراتها المختلفة داخلياً وتشعباتها المستمرة خارجياً، ولكن بمقدور الكلمات مقاربة ما هو عليه الواقع بشيء من التعريف القابل للفهم والمفتوح للإضافة بمقتضى الحاجة إلى، والمصلحة من مقاربة الأزمة اليمنية المستمرة بشيء من التفسير أو التحليل الباحث عن سبل الخروج من دوامات الأزمة إلى بوابات الانفراج.

وحديث كهذا يقودنا بالضرورة إلى الحديث عن قوى الأزمة والصراع الراهن، أو المكونات المتحكمة في معادلات الواقع ومساراته السياسية والعسكرية والتي كانت في الأساس عند الانقلاب الحوثي على الشرعية الوطنية عام 2014م، محددة بالحوثيين وتحالف الشرعية، ثم اتسعت بعد ذلك لتشمل المجلس الانتقالي ثم حراس الجمهورية كفصيل عسكري تمكن قبل عام من تشكيل المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، وأصبح وفقاً لمعطيات الواقع طرفاً أصيلاً في معادلة الصراع وتداعياته السياسية والعسكرية.

ولا يمكننا الحديث عن أي طرف من أطراف الصراع الدامي والمدمر في اليمن، من زاوية واحدة محصورة في الموقف منه دون الخوض في تعقيدات الأزمة ودور أطرافها في تحديد مسارات الصراع ووضع النهايات المرجوة للتسويات الممكنة، فالأمر وأقصد به الحديث عن مكونات الصراع الراهن أو أحدها، يتطلب قدراً من الموضوعية التي تقترب من تشخيص الأزمة وفتح باب الاقتراب من معالجاتها المرجوة وطنياً وإنسانياً.

ويصبح الحديث أكثر صعوبة حين يتعلق بحراس الجمهورية أو ذراعها السياسي ممثلاً في المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، بقيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح، وذلك بحكم  امتداداته التاريخية إلى نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، قبل وبعد أزمة العام 2011م ثم بعد ذلك وتحديداً في الفترة التي تلت انقلاب الحوثيين على الشرعية الوطنية أولاً، وعلى حزب المؤتمر الشعبي العام ثانياً نهاية العام 2017م، وخروج وحدات عسكرية من صنعاء، اتجهت نحو الساحل الغربي وشكلت ما عرف حينها بقوات حراس الجمهورية مشاركة في عمليات الرمح الذهبي حتى اتفاق ستوكهولم نهاية العام 2018م.

هذه الخلفية التاريخية تأخذنا بعيداً عن الموضوعية إلى جاهزية الأحكام الصادرة عن المواقف المسبقة من نظام علي عبدالله صالح، لكن اللحظة التاريخية التي كشف عنها خروج قوات حراس الجمهورية من صنعاء تشير إلى واقع بعيد جداً عن ثنائية التناقض بين النظام والمعارضة في العام 2011م، ذلك أن الاستعلاء العنصري للحوثيين فرض واقع الخلاص من الرئيس صالح، في وقت كان فيه الاستئثار الإخواني بالشرعية يغلق الباب أمام حراس الجمهورية ويفتح لها نافذة مستقلة للعمل بدعم مباشر من تحالف دعم الشرعية.

وفي هذه الفترة الممتدة من أواخر العام 2017م وحتى مارس من العام 2021م، كانت قوات حراس الجمهورية جناحاً عسكرياً منفرداً بذاته خارج منظومة الصراع في اليمن، وعصيا على الاستيعاب في الأنساق السياسية القائمة، لذلك فرض عليه الواقع ومتطلباته الوطنية تشكيل الذراع السياسي لوجوده العسكري في سياق عام أصبح فيه المجلس الانتقالي حقيقة واقعية تتحرك سياسياً وفق منطلقات اتفاق الرياض نهاية العام 2019م، ومن المهم هنا الإشارة إلى أن تشكيل المكتب السياسي مثل إيجابية من حيث دلالته على تضمين القوة العسكرية مشروعية سياسية، وعلى دور هذه القوات في مسارات الأزمة سياسياً وعسكرياً. 

لا بد أن نعترف هنا بأن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية جزء من الأزمة القائمة ومن مسارات الخروج منها، وبالتالي لا يتحمل بمفرده المسئولية الوطنية الكاملة، ولا يعفى من مسئولياته عنها، وعليه فإن أي حديث عنه وعليه لا بد أن يتعاطى مع هذا الواقع ومع ما يترتب عليه من وقائع ومعطيات أهمها التأكيد على الجمهورية مبدأ ثابتاً للاصطفاف  الوطني في مواجهة الصبغة الطائفية للحوثيين، وفي سبيل استعادة الدولة الوطنية.

ولا شك أن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية قد نجح أولاً في فرض وجوده على المعادلة العسكرية، وثانياً في انتزاع الاعتراف به وطنياً وخارجياً كفاعل في المسارات السياسية، وهو أمر لا ينبغي التوقف عنده وإنما البناء عليه في تعزيز هذا الحضور السياسي والعسكري، بحضور اجتماعي تتجسد في معطياته الشعبية القادرة على الانخراط في سياق المقاومة الوطنية للعصابة الحوثية.

وهنا ينبغي على المكتب السياسي في عامه الثاني تبني مفهوم المقاومة الشعبية للكهنوت الحوثي وفتح مساراته الجماهيرية في مناطق السيطرة الحوثية. وخاصة أن معطيات الواقع تشير إلى جماهيرية مقتدرة لهذا المكتب على ابتداع وسائل المقاومة السلمية وآليات الانتفاض الجماهيري الذي يضع الحوثية في مواجهة مصيرها أمام الشعب المسنود بالقوتين السياسية والعسكرية لكل مكونات الصف الجمهوري.

أعتقد أن هذه المهمة تشكل أولوية ملحة أمام المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في عامه الثاني وهي أولوية تعزز وجوده الميداني والسياسي وتضيف إلى قوته عنصر الحضور الجماهيري في كل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وعليه أيضاً أن يتحرك لإعادة بناء الصف الجمهوري وتفعيل منظومته المتحركة في كل المجالات، وذلك من منطلق الخروج من دوامة الماضي المنغلق على ذات الحسابات الخاطئة التي مكنت الحوثيين من استعادة الإمامة والذهاب بها إلى تجاذبات الولي-الفقيه في المنطقة العربية.

ختاماً، لا بد من ترشيد الخطاب السياسي لمكتب المقاومة الوطنية، وذلك ضمن خطة عمل تنطلق من استراتيجية وطنية تمثل مرجعية للتحركات السياسية والعسكرية ولصياغة الرسائل الإعلامية، بعيداً عن التحيزات الدعائية والمكايدات السياسية وعن الارتهان للصراعات الماضوية.

يمكن القول، إن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية جاء في وقته للكشف عن الاختلالات القاتلة في تحالف الشرعية وعن التعقيدات المتزايدة في مسارات الصراع الداخلي وفي سياق التجاذبات الخارجية، وهو اليوم مطالب بإضافة الرفض الشعبي إلى منطلقات ووسائل المقاومة الوطنية للكهنوت الحوثي.