يبدو واضحاً أنّ "حزب الله" قرر وضع "قفازات" الدولة في لبنان للتوقيع على اتفاقية "التطبيع البحري" مع إٍسرائيل، بعد أن كثر حديثه عن أي دولة عربية تقيم علاقة مع تل أبيب، وهي علاقات لا يمكن أن يكون فيها تنازل عن ثوابت تلك الدول وما تتطلع إليه شعوبها.
فعلى مدى سنوات عديدة تشدق حزب الله ومحور "المقاولة" الإيراني، الذي يدور الحزب وأدوات إيران في المنطقة العربية في فلكه، ولطالما صوروا إرهابهم وتخريبهم في العراق واليمن ولبنان بأنه عداء للأمريكي والإسرائيلي!!، عداء وهمي دمروا من خلاله تلك البلدان وأحالوا الشعوب فيها إلى نازحين ومشردين ولاجئين، وجوعى محرومين من أبسط حقوق الحياة الآمنة، واليوم وعلى يد وسيط "أمريكي"، تحقق التطبيع في لبنان وإن كان تطبيعاً غير مكتمل، الأهم أنه تم الاعتراف بهذا الكيان السرطاني المسمى (إسرائيل)، وتخلى حزب الله عن شعاراته وعنترياته وحقوق فلسطين وغيرها من الشعارات التي لاكها وما زال يصدقها بعض الأتباع والمريدين من الأغبياء في دول محور "المقاولة".
اللافت أنه وبعد أن سال لعاب "حزب الله" لما سوف يجنيه من منافع خاصة وأموال وافرة، وموافقته على بند أن تدفع لبنان 20% من أرباح نفط وغاز حقل "قانا" إن وجد، كل هذا الرضا والقبول الذي وافق به الحزب رغم أن تقارير تنقيبية تشير إلى أن ما يحويه حقل "قانا" أقل بكثير من حقل كاريش، إلا أنه كما يبدو هناك ضوء أخضر إيراني للحزب للموافقة حتى يتمكن الحزب من تمويل نفسه بصورة أوسع ودعم أذرع إيران في العراق واليمن في ظل ما يعانيه الاقتصاد الإيراني من تدهور والأوضاع التي تشهد تدهوراً في الداخل الإيراني جراء الاحتجاجات الشعبية المتنامية.
ومما يثير السخرية أن (المبرراتية) من عملاء إيران خصوصاً في اليمن والعراق، ذهبوا عبر حديثهم وكتاباتهم وتعليقاتهم إلى التسويق لشعارات الانتصارات الوهمية التي يرون أن حسن نصر الله صنعها في هذا الاتفاق. مع أن إسرائيل ستبيع “الغاز اللبناني”، الذي قد لن يأتي قريباً.. وإن أتى، فمصير لبنان معه سيكون “عراقياً” أو “فنزويلياً”، وهي دول لم تنقذها ثرواتها النفطية، بسبب الفساد الهائل وسوء الإدارة فيها!
لبنان اليوم هو في مرحلة الاعتراف بوجود العدو وهو يفاوض معه، فالتطبيع هو الاعتراف بوجود كيان الآخر. وأن عملية ترسيم الحدود هي اعتراف بحدود الدولة الإسرائيلية بحراً. وهو تسليم بكيانها، بحقوقها، وباستثماراتها، بالإضافة إلى تنازل لبنان عن حقوقه لها إلى ما دون الخط 29، والذي كان الجيش اللبناني قد اعتبره سقفاً لترسيم الحدود البحرية.
لبنان اليوم هو في مرحلة الاعتراف بوجود العدو، وهو يفاوض مع العدو، ولا يهم إن كان ذلك مباشرا أو غير مباشر! فالتفاوض في حد ذاته اعتراف وتطبيع!