د. أحمد عبداللآه
بين الحرب و الهُدنات.. صنعاء خضراء والحوثي سيد اللعبة
يُبطئ (الحوثيون) "أنصار الله" في تفاعلاتهم مع المقترحات الدولية ثم يبطلونها تماماً إن استدعى الأمر.
وبغض النظر عن السؤال المتعلق باستقلالية قرارهم الداخلي إلا أنهم في كل مرة يضعون شروطاً تصاعدية وملفات جديدة.
وقد برعوا في استخدام تقنيات المرجع السياسي الإقليمي في المفاوضات والتوافقات.
مقابل ذلك تسارع المملكة (العربية السعودية) إلى الترحيب الفوري غير المشروط (عملياً) بكل ما تأتي به الأمم الغربية، عداك عن اللغة النمطية المتكررة.
أما الشرعية فإنها كالعادة تقدم تنازلات فورية، "لمصلحة الشعب اليمني" الذي لا ترى مصالحه إلا من خلال تنازلاتها ل"أنصار الله" دون مقابل.
لهذا يختار الحوثي ما يناسبه من الهدنات والأوقات ويرفض ما لا يناسبه كما فعل مؤخراً.
كان الأمر واضحاً منذ بدء العاصفة بأن هناك اختلالات كبرى في الأداء وفي الولاء وفارقا مهولا بين قرقعة الأسلحة ومعدات الصواريخ والمسيَّرات على معابر التهريب، التي نجح "أنصار الله" في شقها رغم الحصار، وبين قرقرة الأراجيل في مقاهي العرب وعلى أرصفة الشتات، حيث أقام فتوَّة الشرعية سنوات يقدمون خدمات (اون لاين) لشعبهم المركون في أقبية النكبة..
وصرفوا جل وقتهم في إثبات أن الشرعية ملكية حصرية وحولوا الإعلام إلى بكائيات ميلودرامية وشتائم وصناعة فاسدة.
وهناك فرق بين من لديه مشروع يعمل عليه بخبرة الزمن وعِبرة التواريخ، ومن تحركه إيقاعات مطاطية ودبلوماسية باردة استهلكت زمناً في محاولة جمع الكيمياء المتكسرة بين كتل تفرقها خصومات وأهداف متباعدة.
أيها الجيران العرب لم تكسبوا المعركة حتى الآن ولم تبق أمامكم خيارات كثيرة، فأنصار الله يكبرون في الحرب ويشدون عصب الحياة في الهدنات ليصبحوا في يوم قريب قوة إقليمية ربما توازي أو تفوق قدرات حزب الله والحشد الشعبي.. ويصبح الآخرون في أحزاب صنعاء مثل الطحالب تنمو على أبواب البيوت العتيقة.
في يمن "أنصار الله" أيضاً واقع لا يشابه حالات أقرانه.. أولئك الذين ذهبوا مع رياح "محور المقاومة" ليكسروا، كما يدعون، الصلوات التلمودية أمام بوابة الأقصى.. لأن فيه إرثا عميقا من تاريخ الأئمة، دخل بعد أيلول/62 في صمت السراديب حتى دار الزمن وأخرج آخرهم ليصبح الحاكم والسيد والحوزة وكل شيء.
ونظرا لواحدية المرجع لن تكون هناك "حرب الشقيقين" كما حدثت ذات مرة في لبنان أو صراع "الإطار والتيار" مثلما يبدو بين حين وآخر في العراق.
كما أن اليمن تخلو من كاتدرائيات ارمنية أو مارونية أو غيرها… لا راهبات معلولا ولا قساوسة دير الزور، لا روم أو سريان أو كرد وتركمان، حتى أن عزرائيل كانت له هيئة يمانية خالصة لا تشابه أنداده الشرق أوسطيين.
فلا رهان إذن على شيء يمكنه أن يشكل تعقيدات غامضة في النسيج الداخلي عند المقارنة مع النظائر المأزومة على الساحة العربية وفي حسابات الصفقات والمقايضات.
لا شيء من ذلك، فصنعاء الآن خضراء، خضراء مكتملة ومحكومة بقبضة حديدية لتيار ديني له إرث تاريخي طويل في الحكم.
بينما يُقدّم الجنوب قرباناً لإنقاذ الشرعية وللمساومات الإقليمية.
فكيف إذن يُفهم انسداد الرؤية عند التحالف وخاصة المملكة التي تبحث عن أوعية مرحلية لاحتواء الأزمات دون منهج استراتيجي ولا أهداف واضحة وحتى دون أداء مقنع وتكتفي بأن تحيك سلة لكل أزمة لتضع الجميع بداخلها؟
وبينما تثبّت "دولة أنصار الله" أركانها شمالاً وبدعم غير مباشر من "المجتمع الدولي"، يغرق الجنوب في واقع مُجزأ بعد أن تحول إلى حقل تجارب لأداء التحالف والشرعية ومشاريع الاتفاقات المرحلية.
لا أفق واضح إذن خاصة وأن التحالف لم يحسم أمراً ولم يطور فكرة مركزية لمستقبل الشمال والجنوب منذ 2015م.
وظل يصغي لصرخة "المرجعيات الثلاث" التي هلكت عند آخر نقطة حبر صيغت به.
ولم تعش إلا على الشاشات وفي البيانات وتغريدات السّاسة الفارّين.
لهذا حان الوقت للتحالف أن يقترب من الحقائق على الأرض وأن يبتعد عن ترحيل الأزمات والمشاركة في صناعة التسويات الفضفاضة التي تعد منطلقاً لحروب مؤجلة.