لماذا تسير كل الأمور في عدن والجنوب عموما باتجاه العد التنازلي بعكس طبيعة الأشياء كما يقتضيه منطق التطور ومسارات الحياة في جميع بلدان العالم؟
وبوضوح أكثر لماذا تتعطل في عدن كل خدمات الماء والكهرباء والخدمات الطبية والتعليمية والبلدية، وترتفع الأسعار بشكل جنوني ويرتفع معدل التضخم ليصل إلى مستوى فلكي، وحينما يتراجع التضخم لا تتراجع أسعار السلع والخدمات كما يقول المنطق الاقتصادي؟
لماذا أصبح مستوى معظم الأسر العدنية والجنوبية عموماً قريباً من مستوى النازحين الأفارقة الذي يغطون شوارع عدن ومنتزهاتها وحدائقها وحاراتها؟
هل لأن عدن ومحافظات الجنوب تنقصها الموارد المالية؟ أم لأن حكومة الكفاءات بلا كفاءات لتقوم بواجباتها البديهية التي يعرفها القاصي والداني والكبير والصغير؟
هل لأن الانفجار السكاني فاق قدرة البلد على الإنفاق على تلك الخدمات والاحتياجات؟ أم لأن هناك سرا آخرَ لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم؟
تقول تقارير وزارة المالية اليمنية إن عدن وحضرموت هما المحافظتان الوحيدتان اللتان توردان كل العائدات المالية إلى خزينة الدولة عبر البنك المركزي اليمني وأن محافظتي مأرب والمهرة تتخلفان عن توريد معظم عائداتهما إلى الخزينة العامة.
إذن ليست المسألة في شحة الموارد فالحكومة تعتمد في كل مصاريفها على محافظتي عدن وحضرموت فما بالنا بمحافظات إيرادية لم تذكر مثل شبوة وأبين ولحج وسقطرى وهي بالتأكيد تورد عائداتها بغض النظر عن حجم هذه العائدات، وبطبيعة الحال ليست بسبب الانفجار السكاني لأن معدل النمو السكاني في مناطق الجنوب ليس مرتفعاً بعد أن كف الكثير من أبناء الجنوب عن التزاوج والتكاثر بسبب سوء الأحوال والبطالة والفقر الذي جلبته سياسات صنعاء على مدى قرابة ثلاثة عقود، بغض النظر عن نزوح ملايين الأشقاء الشماليين إلى عدن ومحافظات الجنوب التي لا يغادرونها إلآ في الأعياد والمناسبات حينما يأخذون إجازة من النزوح ويعودون إلى ديارهم التي نزحوا منها ثم يعودون للنزوح بعد انتهاء الأعياد والأفراح.
ونعود مرة أخرى إلى السؤال لماذا تسير الأوضاع في محافظات الجنوب، وعدن على وجه الخصوص القهقرى؟
إن الخلل يكمن في من يدير الجنوب ومن يتولى مسؤوليات حياة الناس فيه ومن ينبغي أن يوفر الخدمات والأمن والمرتبات وكافة متطلبات الحياة.
وقد قلت في البداية إن لدينا حكومة لها رئيس اسمه رئيس الوزراء ولدينا برلمان وله هيئة رئاسة ورئيس ولدينا مجلس رئاسي من 7 أعضاء ورئيس، فماذا ينقصنا ليكون لدينا كهرباء وماء ومستشفى ودواء ونظافة وغذاء ورواتب وتعليم وأمن وقضاء؟
لعلكم تلاحظون أن الحكومة مضى على تشكيلها ما يقارب ثلاث سنوات ولو سألنا رئيس الحكومة كم الأيام التي قضاها في عدن فيقيني أنها أقل من 200 يوم طوال السنوات الثلاث، لا بل إن هناك وزراء لم يدخلوا عدن منذ تعيينهم، وهم طبعاً لا يديرون أعمالهم عن بعد بواسطة الروبوتات، أحد مستشاري رئيس الوزراء قال إن مطالبة المواطنين الحكومة بتوفير الماء والكهرباء والمرتبات والخدمات الأخرى يعني أنهم ينظرون إلى الحكومة كصندوق معاشات، لكننا نقول له إن هذه الحكومة لا تقوم حتى بوظيفة صندوق المعاشات، ولدينا مجلس رئاسة يقوده دكتور في علم الاجتماع لكن هذا المجلس لم يستطع أن يضيف ساعة أو ساعتي كهرباء في عز الشتاء دعوكم من أشهر الصيف الجهنمية الحرارة، والمجلس إياه ورئيسه لم يوفرا راتب شهر لموظفي الحكومة والمتقاعدين ومثلهم المقاتلين في الجبهات وخطوط التماس، في حين يتهيأ البعض للتفاوض من أجل دفع الرواتب للحوثيين الذين يقصفون موانئ الجنوب ويقتلون المواطنين بمسيَّراتهم وصواريخهم.
ولدينا برلمان يرأسه شيخ من منطقة المعافر وهذه المعافر تقع تحت سيطرة الحوثيين، وهذا البرلمان لم يستطع أن يسائل وزيراً واحداً عن سبب تقصيره في القيام بواجباته وفشله في أداء مهماته.
الرؤساء الثلاثة شماليون وينتمون إلى المحافظة الحبيبة تعز، التي قلت فيها ذات يوم بعيد محرقة ساحة الحرية الشهيرة:
سلامٌ يا تـــعزُّ من القلوبِ إلى دارٍ تـــعزُّ على القــــلوبٍ
إلى دارٍ يطيب العيش فيها وتصنع صبحها رغم الخطوبِ
تعزُّ الــــعزِّ تجـــري في دمانا وترسمُ أفقــــــنا عـــبر الدروبِ
لكنهم يحكمون الجنوب ولا يحكمون حارة واحدة في الشمال ولا حتى في تعز نفسها،
ليس لي موقف من هؤلاء الرؤساء الثلاثة واثنان منهم أحتفظ لهما بعلاقة شخصية قوامها الاحترام والشعور المتبادل بالتقدير، وأقصد هنا الدكتور رشاد العليمي رئيس المجلس الرئاسي والشيخ سلطان البركاني زميلي في مجلس النواب ورئيس المجلس، لكنني أعرف أن هؤلاء الثلاثة لا يمكن أن يقدموا شيئاً لعدن وللجنوب طالما لم يقدموا شيئا لتعز.
وقد قال الحكماء الشعبيون "من لا ينفع أمه لا ينفع خالته".
أرجو أن يفهمني القارئ الكريم جيداً فأنا هنا لا أستعدي أحداً على هؤلاء الرؤساء الثلاثة، لكنني أشفق عليهم، إذ كيف يورطون أنفسهم في مسؤوليات هم لا يقدرون على ما هو أقل منها؟
سنغض النظر عن مواقف هؤلاء في حرب 1994م من الأرض والشعب الذين يحكمونهما وأقصد أرض وشعب الجنوب، لأنهم أصلاً لا يحكمون غير الجنوب، أقول سنغض النظر عن هذا ونتساءل، حتى متى على هذا الشعب أن يتحمل فشل قادة لا يستطيع الواحد منهم حشد عشرة آلاف ولا أقول مائة ألف مقاتل من بلدته التي تكتظ بالملايين لتحرير بلدته وليس لتحرير الجنوب الذي حرره أبناؤه.
إن الذي يفشل في تحرير قريته لا يمكن أن يدير بلدا هو أصلاً كان ذات يوم ينظر إليه كبلد معاد وإلى أبنائه كأعداء.
كما أن الذين قاتلوا الجنوب وقتلوا أبناءه على مدى ثلاثة عقود، لا يمكن أن يخلصوا لهذا الجنوب، وهم ما يزالون ينظرون إليه بعقلية المنتصرين في حرب 7/7 الذين عادوا ليحكموا وليس باعتبارهم نازحين أتوا يبحثون عن مكان آمن يلتجئون إليه.
وانظروا معي أيضا: إن نصف أعضاء مجلس الوزراء هم قادمون من محافظات يسيطر عليها الحوثيون، ولن أتحدث عن مئات نواب الوزراء والوكلاء والوكلاء المساعدين الذين لا تصل نسبة الجنوبيين فيهم إلى 10% وهؤلاء ليسوا مكلفين بإدارة شؤون المحافظات التي أتوا منها فلديها من يدير شؤونها، أعني الجماعة الحوثية وأتباعها، بل إنهم أتوا ليديروا الجنوب.
إن تسليم زمام الأمور في عدن والجنوب لهؤلاء الذين لا ينظرون إلى الجنوب إلا على أنه منطقة أعداء لا يمكن أن يثمر إلّا ما نشاهده اليوم من ارتكاس وتراجع وخراب وحرب خدمات وتجويع وتدهور وانهيار في كل مجالات الحياة.
ومن ينتظر غير ذلك من منظومة حكم كهذه عليه أن يراجع طبيب الأمراض النفسية والعقلية.
هل عرفتم لماذا تسير الأمور في عدن والجنوب القهقرى، منذ تكليف معين عبد الملك رئيسا لحكومة الكفاءات التي بلا كفاءات؟
مع كل الاحترام للشرفاء وذوي الكفاءات فيها.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك