يقال بأن العبيد هم من يصنع الطغاة وقد عبر المصريون عن هذه الحقيقة بأمثال شعبية كقولهم: "من فرعنك يا فرعون قال: "مالقيتش حد يوقف قصادي" و"من فرعنك يا فرعون قال الشعب المصري".
فالحاكم الذي يعتلي سدة الحكم يطلع والأمل يحدوه بأن يحقق لشعبه الحريات والعدل والمساواة فيلتف حوله المنافقون والانتهازيون وبعض المثقفين فيمجدونه وينفخون ويدبجون له الخطب في كل مناسبة وغير مناسبة، ويختلقون المناسبات، وإحياء ذكر الرموز الدينية ليمجدوا الحاكم من خلالها فيجد نفسه محاطا بهالة من التمجيد والثناء والتضخيم، حتى يصدق أنه عظيم وعبقري وكل كلمة تخرج من فيه هي حكمة لم تخطر على بال بشر قبله ووحي منزل.
وهكذا يصنعون من إنسان متواضع بسيط طاغية يعيش في برج عاجي وبالونة منفوخة تحلق به في فضاء خارجي مصدقا نفسه أنه قد غدا عبقريا وزعيما ملهما.
وهكذا يظل المنافقون والمتزلفون ينفخون فيه فيصعد إلى عنان السماء، ويبتعد عن واقع أمته وشعبه، ولم يعد بمقدور أحد أن يصل إليه ليشرح له ما يعانيه شعبه من ظلم وفساد وجوع وفقر بسبب تلك الثلة من الحاشية، التي صورت له بأن الناصح الأمين منافق شرير ومرتزق وعميل ويستحق السجن والسحل ومصادرة ... الخ.
وقد نسب البعض مقولة لابن خلدون تقول: "لو خيرت بين زوال الطغاة وزوال العبيد لاخترت بدون تردد زوال العبيد لأن الأخيرين هم من صنع الطغاة وبزوالهم سيزول حتما الطغاة".
وأنا أقول لو خيرت بين زوال الطاغية وزوال حاشيته لاخترت بلا تردد زوال حاشيته لأن بزوالها سيعرف الطغاة حقيقة ظلم تلك الحاشية، سيزول الطغاة، ويأتي حاكم يحقق العدل ويطلق الحريات لشعبه، لأن كل حاكم قبل أن يعتلي سدة الحكم يتمنى أن يكون أفضل من الذين قبله لكي يخلده شعبه، لكن المتسلقين والانتهازيين والمنافقين المتزلفين يصيرونه طاغية مستبدا!
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك