تخرجت من كلية الإعلام في عام 1999م، ولكن منذ أيام 1988 وأنا أكتب في صحف ومجلات يمنية وعربية كتابات مبتدئة.
بشغف وعناد أرسل بالبريد مقالات إلى لندن وباريس حيث الحرية تستقطب الإعلام العربي، زمن ما قبل التلفزيون.
ربما لا تعلمون أن الفاكس قبل الوحدة كان مقنناً لا يحق لأحد استخدامه إلا بترخيص، هذا إن عاد أحد منكم يذكر ما هو الفاكس أصلاً، جاء واختفى في عقد من الزمن.
أقرأ عنوان المجلة وأكتب المقال وأرسل بالبريد وأنتظر، وحين ينشر المقال أحتفل بإنجازي مع أبي "الأب الأمي"، الذي تعلمت منه قيمة الأمية الأبجدية.
فقد كنت أرتبك من قراءتها صفة مرتبطة بـ"النبي الأمي"، لكن مع أبي اكتشفت أن الأبجدية قد تقوي نظرك إذ يدعي فهم الحروف، لكنها تعمي بصيرتك التي تدرك أنك مجرد "لوح" لهذه الحروف.
الأمية الأبجدية تبقيك روحاً كاملة إن لم تتباه بها.. وإن لم تدع غيرك لها، الأمية العظيمة تجعلك إنساناً تنشر العلم ولا تختصره بمجرد القراءة والكتابة.
رحمك الله يا أبي.
كان أول مقال نشره لي الأستاذ محمد شاهر وهو رئيس لتحرير صحيفة الميثاق أيام معركة الوحدة والدستور مع إعلان دولة 1990م، وكان مقالاً ناقداً لخطاب الرئيس علي عبدالله صالح وهو يهاجم رافضي الدستور، وهي تباشير التحول الديمقراطي.
ودون أن أعرفه ولا يعرفني، فقد احتفى الأستاذ محمد بمقالي، وذات يوم وقف أمامي في دكان أبي يشتري بعض حاجاته، وسألني عن اسمي ومنطقتي، فقلت له: الصوفي من صبر الموادم، قال لي: من بيت الصوفي، تعرف واحد اسمه نبيل الصوفي.. وكانت تلك بداية تعارفنا بعد أشهر من نشره للمقال.
وأول تحقيق نشره لي الأستاذ ناصر يحيى وهو رئيس لتحرير صحيفة الصحوة، كان عن مدينة الراهدة التي زرتها وصولاً إلى لحج عقب حرب 94، ولم أكن يومها مكترثاً بتلك الحرب، كنت طالباً في سنة أولى إعلام وكل ما رأيته هو أحوال المدينة التاريخية وهي تذوب وتنهار.
وقد خصني ناصر يحيى برعاية خاصة في الصحيفة التي توليت رئاسة تحريرها خلفاً له بعد ذلك.
ومع أول حوار أجريته مع فتحي يكن وقف ناصر مندهشاً ومحتفياً بالحوار.. قلت له: ذي إجاباته هو مش أنا، فقال لي: أنا محتفٍ بالأسئلة.
بدأت أسجل حضوري في النقاشات والندوات بصوت ورؤية مختلفة، بعضها صائب وكثير منها خطأ، لكنها كانت مختلفة لا تسير وراء المعتاد والعمومي ولا أتعمد من ذلك شيئاً.
فأفكارنا مجرد نباتات لكل منها رائحته ومذاقه، ولا قيمة لمن لا يرى كينونته في المجموع وفي الآخر قبل الذات.
وذات يوم طلبني الأستاذ محمد جسار لزيارته في مكتب صحيفته "رأي" الناطقة بلسان حزب الرابطة وسألني: كيف ترسل مقالاتك للصحف، قلت له بالبريد أو من محلات الاتصالات عبر الفاكس، فأهداني فاكساً جديداً بكرتونه.
لم يطلب مني شغلاً صحفياً للرأي، ولا حدثني حتى عن الحزب، عنوان مدهش لأخلاق أستاذ عظيم وأخ كبير وزميل يرى المهنة عائلة، والشباب سنداً، والاحترام قبل الاختلاف قيمة.