كانت المشاورات اليمنية – اليمنية التي انعقدت في الرياض برعاية مجلس التعاون لدول الخليج العربية مطلع شهر أبريل (نيسان) 2022 نقطة تحول في مسار الحرب.
وظهر ذلك جلياً في البيان الختامي الذي أعلن صراحة فشل الحل العسكري لإنهاء الأزمة التي خلفتها أحداث 21 سبتمبر (أيلول) 2014 حين استولت جماعة "أنصار الله" الحوثية على مؤسسات الدولة كافة، ثم استكملت سيطرتها على مفاصل تسيير الدولة في 21 يناير (كانون الثاني) 2015 حين قدم الرئيس عبدربه منصور هادي استقالته، ثم جرى وضعه تحت الإقامة الجبرية في منزله بصنعاء، ووصولاً إلى استنجاد الرئيس هادي بالسعودية في 26 مارس (آذار) 2015 ودعوتها إلى التدخل لإعادته إلى السلطة.
ونتذكر أن "الجماعة" رفضت طرح الاستقالة على مجلس النواب لاتخاذ قرار بشأنها خشية أن يؤول الأمر إلى رئيسه يحيى الراعي المنتمي إلى "حزب المؤتمر الشعبي" الذي كان يقوده الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
كان المؤمل في 7 أبريل (نيسان) 2022 أن يكون مجلس القيادة الرئاسي محفزاً للبدء في خطوات سريعة نحو استئناف العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وتدعمها السعودية والولايات المتحدة، ولكن سرعان ما ظهرت التناقضات داخل "المجلس" وهو أمر لم يكن مفاجئاً للذين يعون الخلفيات التي قدم منها كل من الأعضاء الثمانية ومدى ابتعاد أهدافهم النهائية عن الغاية التي ابتغاها الإقليم والمجتمع الدولي الذين دعموا إنشاءه وعولوا عليه لإخراج اليمن من المستنقع الذي سقط فيه لسوء تدبير قياداته وانشغالهم بالقضايا الخاصة فأفسحوا المجال أمام "الجماعة" لتقوية نفوذها في الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها اليوم.
أخيراً تواترت المعلومات وكثرت التحليلات حول لقاءات بين مسؤولين أمنيين سعوديين وممثلين عن "الجماعة" وبلغت الأخبار غير المؤكدة حد الحديث عن زيارة قام بها السفير السعودي محمد سعيد آل جابر.
وإذا صحت تلك المعلومات التي نسمع ونقرأ فإن الأمر سيمثل كسراً في الجليد الذي تراكم طوال السنوات الثماني الماضية.
وهنا يجب التذكير باللقاءات التي جرت في "ظهران الجنوب" قبل انعقاد مشاورات الكويت، ولكنها لم تنجح في تحقيق اختراق سياسي مستدام.
من اليقين بأن أي اتفاقات أو تفاهمات لا يمكن التعويل عليها منفردة لتحقيق الأمن والاستقرار داخل اليمن، وذاك أمر طبيعي لأنه من دون اتفاق (يمني – يمني ) لوضع حد لهذه الحرب المستعرة واستعادة السلم الاجتماعي سيعني إبقاء البلاد في حال اضطرابات وحروب داخلية وانتشار للجماعات المسلحة والإرهابية.
وأمر كهذا سيعني حتماً دخول البلاد في حال من الفوضى المدمرة وستعجز أية قوة من السيطرة عليه والتحكم في مخرجاتها.
لا شك أن واحدة من أعقد المعضلات التي أنتجتها الحرب هي غياب الدولة الشرعية وسقوط مؤسساتها وهرب كل القيادات إلى خارج البلاد، وكانت النتيجة ترك فراغات في كل المناطق المسماة "محررة" تحولت معه إلى "كانتونات" بقيادات محلية تشارك الحكومة السيطرة على الأرض وفي أحيان كثيرة تتجاوزها وتفرض رؤاها البعيدة عن مفهوم الدولة.
وهذا الأمر سيتسبب ما لم يتم تداركه سريعاً إلى وضع عراقيل جادة أمام التوجه إلى المشاورات السياسية التي يدعو إليها الإقليم والمجتمع الدولي لوضع التصور النهائي للخريطة السياسية اليمنية.
هنا يجب التوقف أمام فكرة الحل الذي تظن "الجماعة" أنها قادرة على فرضه باعتباره جني مشروع لحصاد تشبثها بالأرض خلال سنوات الحرب، وهو أمر لا يمكن تمريره لأنه سيعني الإبقاء على حقول الألغام في مختلف الجغرافيا اليمنية وسيقضي على الجماعة ذاتها لأنها ستدخل في صراع مع بقية المجتمع الذي لا يقتنع برؤاها وأفكارها ونمط حكمها ولن تتمكن مهما بلغت قوتها العسكرية من الاستمرار طويلاً في التحكم بما تحت يدها حالياً.
إن الفرصة التي تتيحها الهدنة يجب أن تستغلها "الجماعة" بشجاعة ومسؤولية وطنية وأن تعترف وتعي بأن اليمنيين جميعاً على مختلف مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية والمناطقية لهم نفس حقوق المواطنة التي لا يجب أن تتميز بها فئة، أو نسل، أو منطقة، أو أسرة.
ومن دون هذا فإن اليمن سيظل في دوامة الصراعات، والدمار، والدماء، والشقاق.
كما عليها أن تفهم أيضاً أن أي تفاهمات مع الإقليم ليست أهم من التفاهمات الوطنية وليس في ذلك تقليل من دور الإقليم في استقرار اليمن، ولكنه حتماً ليس أكثر أهمية من الشراكة الوطنية مع الجميع وخصوصاً "الخصوم".
إن أي مسعى نحو التوصل إلى سلام مستدام هو عمل يجب على الجميع الدفع به والترحيب بإنجازه، كما أن تحقق إجراءات تنجز خطوات إيجابية في مسار التفاهمات مع الإقليم لضمان أمن المنطقة المشترك هو قضية لا يجب الاستهانة بها أو التشكيك في غاياتها.
كتبت في 12 مارس 2016 مقالة في صحيفة "عكاظ" قلت فيها إن قناعتي هي أن السعودية هي الطرف الأكثر حضوراً وتِأثيراً وتأثراً مما يدور في اليمن، وذاك أمر طبيعي بحكم الجوار الملتصق والتاريخ الممتد لعقود طويلة، ومن هنا فإنها قادرة على لعب دور شديد الإيجابية في جمع كل اليمنيين تحت مظلة واحدة، وهي مسألة تحتاج إلى قناعة "الجماعة" بحيوية، هذا الأمر الذي لن ينجح في كل الأحوال إلا بتهيئة الظروف الداخلية التي يجب عليها أن تتخذ خطوات داخلية جادة للتخفيف من القيود القسرية التي تفرضها على الأفكار التي لا تتكيف مع أفكارها، وكما أن عليها البدء بمصالحة وطنية داخلية تبدأ بوقف المحاكمات التعسفية وغير العادلة، ومنع الاستيلاء على منازل خصومها، واتخاذ كل ما يجب لترميم النسيج الاجتماعي الذي تهشم بفعل التصرفات والإجراءات غير الإنسانية التي اتخذتها سلطة "الجماعة" التي تقول قياداتها إنها "تصرفات فردية وليست سياسة مقرة".
*نقلا عن "اندبندنت عربية"