ليس انتقاصاً من المأساة التي أصابت الشعب التركي ولا استكثارا للجسور الجوية التي انطلقت من كل بقاع الدنيا فور وقوع كارثة الزلزال، فالشّعب التّركي في هذا الظرف العصيب يستحق هبَّة إنسانية من العالم أجمع. لكن لماذا تركيا فقط؟ ولماذا استُثني الشّعب السوري الذي يعيش الويلات منذ سنة 2011 من هذه الهبّة التضامنية إذا استثنينا المبادرة الاماراتية والجزائرية وما صدر عن مصر والأردن ودول أخرى قليلة جدا؟
لماذا يترك العرب سورية لإيران مرة أخرى، لتكون سباقة في تسويق نفسها كصديق يعتمد عليه؟ رغم انهم كانوا الأجدر بلعب هذا الدور فعلاً، واستغلال هذه الكارثة الانسانية لردم هوة الخلافات والقطيعة، ولإبعاد إيران من تصدر المشهد مرة أخرى، بلبسها قناع الإنسانية الزائف، أليس ما حدث في سورية هو ذاته في تركيا، وربما أفظع نظراً للوضع السوري القائم والمعروف للعالم بأسره؟
لا شك أن الإنسان هو الإنسان سواء في تركيا أو في سوريا، ومن يتغنّى بالإنسانية فعليه أن لا يفرّق بين ضحايا الكوارث الطبيعية، طالما هذه الكوارث لا تفرّق بين البشر، ولا بين الأنظمة الحاكمة، فلماذا هذا التّجاهل القاتل لمأساة الشّعب السوري لمجرد أنّ المجتمع الدولي لا يزال يعادي النظام السوري؟
والأغرب أنّ المجتمع الدولي يفرّق كذلك بين ضحايا الزّلزال في الداخل السّوري؛ إذ أعلنت الكثير من الدول الغربية نيَّـتها توجيه مساعدات إنسانية إلى المناطق المنكوبة التي لا تقع ضمن سيطرة النّظام السّوري، فيما لا يزال الغرب في خضم هذه المأساة السورية يصر على “قانون قيصر” الذي يهدف إلى تجويع الشّعب السوري تحت يافطة معاقبة النظام.
لقد فضحت كارثة الزلزال نفاق الغرب وإنسانيته الزائفة، وهو يهبُّ لمساعدة دولة قوية بجيشها ومؤسساتها وإمكاناتها الاقتصادية وبناها التحتية، فيما يدخل في حسابات ضيقة عندما يتعلق الأمر بالشعب السوري الذي يعاني منذ مدة مآسي التهجير والفقر والحرمان.