محمد القحطاني

محمد القحطاني

زيارة تاريخية إلى تعز

Friday 03 March 2023 الساعة 03:23 pm

يشهد الله -وأظن حالي لن يختلف عن كل يماني حر- أنني ذرفت دموع الفرح حين قرأت الخبر المنتظر وحلمت طويلاً به بصفتي مواطناً منكوباً انتهت حياته حرفياً عقب سقوط صنعاء وتاهت خطاه بعد ذلك نتيجة شتات القوى الوطنية، وأدمته مآسي الحياة في ظل حالة اللاحرب واللاسلم، وهو زيارة النائب والقائد العميد طارق محمد عبدالله صالح إلى مدينة تعز. 

لذا قررت تناول هذه الزيارة التاريخية من واقع متابعاتي المتواضعة المتأنية البعيدة عن أهواء الذات الأنانية لمجمل الأحداث السياسية والعسكرية وأهوال التغيير الاجتماعي في البلاد منذ سقوط عاصمتنا صنعاء بيد الكهنوت أواخر سبتمبر 2014م، وسأبدأ تناولي دون مقدمات.

تفتح زيارة العميد طارق صالح إلى مدينة تعز بداية جديدة نقية حالمة للقوى الوطنية المناوئة لانقلاب ذارع إيران على الجمهورية، وقتلهم حوالي نصف مليون مدني، وتهديد حياة ومصير ثلاثين مليون مواطن.

زيارة مهمة ومباركة تعيد الأمل للأرواح الكسيرة تحت حكم كلاب المسيرة الإجرامية، وستضع نهاية حاسمة لخصومات ومخاوف القوى الوطنية من بعضها، وتعيد سردية التحرير إلى الواجهة بعدما تفرعن أعداء الحياة، واعتقدوا بأنهم قد أصبحوا حكاما أبديين للبلد. 

لقد دشن القائد الهمام طارق بحنكته وعميق نظرته السياسية والعسكرية بداية وطنية جمهورية، وتوفق بقراره التاريخي باختياره لمدينة تعز لبدء صفحة جديدة باعتبارها قبلة الوطن الحزين منبع الثورات اليمانية حاضنة المشروع الجمهوري بعد ليالي أسى وأحزان ومرحلة يأس وعدم يقين غمرت نفوس شعبنا العظيم. 

يدرك طارق بحسه الوطني وصلابة موقفه الجمهوري ونقاء مواقفه وسعة صدره على السفهاء أهمية تدشين المصالحة اليمنية الحقيقية من تعز ونتائج زيارته لها في هذا التوقيت الحرج على مختلف المسارات الوطنية والإقليمية والدولية، وليس غريباً احتفاء المواطنين والجهات الرسمية، ولخصها بقوله عقب زيارته في تغريدة ذكية على صفحته في موقع تويتر: "تعز.. غمرتنا بمشاعر الاحتفاء، وحملتنا المسؤولية". 

يا لها من مسؤولية كبرى لا يدركها غير إنسان عظيم وقائذ فذ، ويا لها من لحظة وطنية فارقة قلما تتكرر بقرار تاريخي اتخذه بكل شجاعة وبلا تردد أو مخاوف بزيارته تعز إلى عمق اليمن الاستراتيجي، صباح الأربعاء الموافق الأول من شهر مارس 2023م، وهدفها الأعظم لملمة شتات الأبطال في إطار مشروع واقعي جامع وطموح لبناء كيان تحرري وصلب ومتجاوز للحسابات الأنانية والانتهازية التي كانت سبباً رئيسياً في استمرار كارثة الانقلاب. 

قالها طارق بملء الصوت من مقر سلطة تعز وخلال اللقاءات المغلقة مقاومتنا الوطنية في الساحل أغلبها تعزية ووطنية، وليس لنا عدو غير الإمامة، وغايتنا العظمى وهدفنا الأسمى ليس إذكاء معارك جانبية شمالاً أو جنوباً، بل هو حشد الهمم والقوى الوطنية لتحرير صنعاء عاصمتنا المغتصبة من قبل المليشيات الحوثية الدموية ذراع إيران الخبيث في أحشاء اليمن وخاصرة الجزيرة العربية.

دخول العميد طارق صالح إلى مدينة تعز المحاصرة ولقاء قواها السياسية وقياداتها العسكرية والمدنية ليست زيارة برتوكولية استعراضية لنائب رئيس أو محارب يمني عتيد يحظى بحب الناس، بل تعد من وجهة نظري فاتحة تاريخية لتعز واليمن انتظرناها طويلاً، وسيكون لها ما بعدها بلا شك ولو كرهت السلالة وجن جنون أذنابها الظاهرين والمختفين خلف كذبة رفض الانقلاب بشروط ومحددات لم تعد صالحة داسها القائد بثورة ديسمبر رفقة الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح ووصوله إلى الساحل الغربي.

وأكرر بأنها زيارة تاريخية بكل المقاييس عم صداها فضاء تعز والمحافظات الخاضعة لسيطرة أذرع الكهنوت الإيراني، ولا أبالغ لو قلت بأنها كانت وستظل محط نقاشات وحديثاً ذا شجون للمواطنين بجميع توجهاتهم السياسية، وتوقيتها استنثاء أخمد فيها انتفاشة الحوثة الذين يقدمون أنفسهم للمواطن بكذبة المنتصرين المسنودين ربانياً أصحاب الحق الإلهي. 

فعلها طارق بزيارة واحدة، ودفن عمل إعلام الكهنوت ومن سار في دربهم وردد أراجيفهم المفرقة بين القوى الوطنية منذ استشهاد رئيسنا الأسبق علي عبدالله صالح، كما نسف الصورة الذهنية السيئة لدى أهالينا في الشمال عن أبطال الجمهورية من مقاومة وطنية وتهامية وجنوبية وعمالقة وتعزية ومأربية، وتأكيد حرصهم على تحقيق النصر المبين باستعادة النظام الجمهوري بعد تعميم ثقافة الهزيمة نتيجة شتات الأحرار واستلامهم لأوهام السلام مع أفاعيهم. 

أحسن صنعاً النائب والقائد بزيارته المباركة إلى مدينة تعز، بث أمل الخلاص بإنهاء الخلافات، وتصويب بوصلة الأحرار إلى نحر الكاهن الحوثي الذي سيظل في رأي كل يمني حر العدو الوحيد للشعب وحاضرهم ومستقبلهم، والأفعي الذي يتربص بالعرب، والخطر المرعب لاستقرار الشرق الأوسط، والتهديد الدائم لأمن الملاحة العالمية. 

زيارة تاريخية أثلجت صدور اليمنيين المنتظرين للخلاص، وضربة قاصمة لأوهام الكهنوت، ومن لم يستوعب الضربة القاتلة عليه متابعة صراخ إعلامهم وقياداتهم وذبابهم مع أذنابهم في مواقع التواصل الاجتماعي ومحاولاتهم اليائسة لإفساد الزيارة التاريخية عبر نكئ جراحات الماضي بين قوى الصف الجمهوري المحتشد ضد انقلابهم الدامي ومشروعهم السلالي الرجعي الممول إيرانياً. 

المؤسف حقاً، انخراط بعض قصيري النظر الذين يزعمون مناهضة الانقلاب الممولين خارجياً مع فلول الكهنوت في حملة وسخة لتزييف الوعي والتشكيك بنية النائب وصدق القائد طارق صالح الذي يثبت يوماً بعد آخر بأنه الجمهوري الأصيل واليماني الحريص على توحيد الصفوف والمتسامي فوق خلافات الماضي التي تسللت من خلالها فلول وخلايا الإمامة في غفلة وطنية جماعية لانقلابها الرجعي بعد أزمة 2011، وتأجيج الأحقاد البينية منذ سيطرتهم على صنعاء إلى يومنا هذا.

أكرر ثانية وثالثة ورابعة وللمرة الألف لقد قام طارق بزيارة تاريخية ووجه ضربة قاصمة للكاهن الأكبر، ويدرك أبعادها الاستراتيجية سياسياً وعسكريا ومجتمعيا، وهذ ما لا يدركه ثلة المأزومين والمأجورين الممولين إقليمياً العاملين بقذارة في خدمة الكهنوت وشرعنة حربهم بدافع كراهيتهم المبالغ فيها لطارق خصوصاً وآل صالح عموماً، وحبهم الزائف لتعز، ولم يعد خافيا على ذي لب ونفس وطنية دوافعهم الأنانية وغاياتهم القذرة من استجرار الماضي ومواجعه.