يبدو أن السلام الذي تحاول الأطراف الدولية والإقليمية تحقيقه في اليمن، بعيد المنال، وأمراً غائباً عن ذهنية الجماعة الحوثية التي تتعدد فيها مراكز النفوذ والأجنحة التي تنظر للسلام بأنه نهاية لدورها أو تقليص للفوائد التي تجنيها تلك الأجنحة من استمرار الحرب.
تيارات الجماعة وأجنحتها المتشددة لا تؤمن بالسلام، ولا يوجد في ثقافتها قبول بالآخر، ولهذا لا يمكن أن يقبلوا بالشراكة، فالجناح الأكثر تطرفاً في الجماعة الحوثية يتهم المذهب الزيدي -الشخصيات الدينية- تحديداً بأنها أضاعت حق (آل البيت) في السلطة من خلال قبولهم بمبدأ الافضل والمفضول، ولهذا ناقمون على ذات المذهب الذي يدعون أنهم انطلقوا منه؛ فكيف سيقبلون بالآخرين وهم من مذاهب مختلفة تماماً، ويقول المنتمون لهذا التيار الأكثر تشددا بأن الأمن والاستقرار في اليمن سيؤدي إلى الرفاهية، والرفاهية ستجعل اليمنيين يتكاسلون عن أداء ما يسمونه (الدور القرآني المرسوم لهم) بانهم اولو قوة وبأس شديد، وينسيهم واجبهم المناط بهم في تحرير بيت المقدس ونشر فكر آل البيت وضرورة توليهم. وهذا الفكر يدفع التيار وأتباع ومراكز النفوذ لإفشال اي محاولات للسلام، منطلقين من عقيدة مغلوطة دموية مفادها ان "مسيرتهم لا بد أن تصل لكل البلدان العربية" و لا يرون مستقبلاً لليمن واليمنيين إلا كمقاتلين ومقتولين.
أما التيار الآخر فهو تيار يدافع عن مصالحه ولا يقبل بالتنازل عنها تحت أي مسمى ولا يقبل بالشراكة، ولهذا يروج بأن السلام مجرد خدعة امريكية كما يقولون، يهدف إلى القفز فوق تضحيات من يسمونهم الشهداء، ويسلم البلاد للخونة والنظام السعودي والامريكي، كما يدعون، ولهذا يحترف هذا التيار المراوغة والتسويف، وان وافق تحت اي ضغط على أي خطوة نحو السلام، فسرعان ما ينكث العهد، وينقلب على ما تم الاتفاق عليه، وهذا هو اكبر جناح في الجماعة الحوثية، والذي يرفض فك الارتباط عن طهران، أو التصرف كطرف مسؤول فعلاً، فهو لا يرى ذاته إلا كأداة تابعة للحرس الثوري يفعل ما يؤمر به في الظهور او الخفوت، وهذا التيار بحد ذاته ينقسم لعدة أجنحة كجناح محمد عبدالسلام ومعه المشاط وغيره، وجناح محمد علي وجرفان والحاكم وعبدالحكيم الخيواني وعبد الكريم الحوثي وغيرهم، ورغم انه التيار الأبرز والأكثرية له في الحركة إلا ان صراع المصالح بين جناحيه يعرقل كثيرا أي مسعى للسلام، كون كل جناح يريد تحقيق مكاسبه الذاتية وتصدر المشهد، ولا شأن لهم باليمن ومستقبله وشعبه.
وهناك جناح هاشميي صنعاء وإب وذمار (هاشميي المدن) الذي يرى انه غيب تماماً نتيجة سطوة جناح صعدة، وتحكمهم في كل شيء، وأنهم أصبحوا مجرد ديكور أو يتم اسناد مهام بسيطة لهم وبرقابة جناح صعدة، هذا الجناح (هاشميو المدن) لعله الأكثر تعليماً واستعدادا للانخراط في اي تقارب مع السعودية خاصة والمحيط العربي ككل، وبما يضمن أحقيتهم في النصيب الأكبر في أي شراكة وفي مستقبل اليمن ككل، وهذا التيار ينشط عبر لوبي كبير في الخارج، لكنه في الواقع لا يمتلك أي أدوات قوة على الارض يناور بها، لهذا تجده منقسما بين التيارين السابق ذكرهما، ويحاول زيادة الخلاف بين التيارين لصالحه، إلا ان الرابطة الجغرافية للتيارين الأول والثاني تفشل محاولات تيار هواشم صنعاء واب وذمار الذين يشعرون بالإقصاء والاضطهاد من تيارات صعدة التي حولتهم الى مخبرين.
ومما لا شك فيه أن الجميع بمختلف توجهاتهم وارتباطاتهم متفقون على أحقيتهم بالسلطة والحكم من منطلق خرافة الاصطفاء والولاية، وهذا ما يجعل اي محاولة سلام امرا محكوما عليه بالفشل، لأنه كيف تتحاور او تحاول اقناع من يرى نفسه أرفع شأناً منك وأحق بما تريد مشاركته فيه.