يجمع كل من فطن السياسة وحلل المواقف والوقائع أن جماعة الحوثي ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه لولا استغلالها لخلاف الأطراف السياسية والخلافات الشخصية بين الأحزاب والشخصيات العسكرية والاجتماعية وارتباطها الشديد بالمصالح الحزبية والمناطقية والشخصية الضيقة، والتي جعلتهم -أي الأحزاب السياسية- وقياداتها مركزة كل جهودهم تجاه الانتقامات والوقيعة والمكايدة السياسية، وهو ما أتاح للحوثيين أن يجدوا مساحة واسعة للعب فيها وبيئة خلافية عملوا على توسعتها ليتسنى لهم السيطرة على الدولة ومؤسساتها ثم الالتفات للانتقام من كل القوى السياسية والحزبية وكل رأي لا ينسجم وخرافة الجماعة ودمويتها.
وبرغم كل الحقائق التي تؤكد أن الحوثيين لا يمتلكون قاعدة قبول شعبي تؤهلهم للعب دور سياسي وازن أو قوي، إلا أن الجماعة وعبر دوراتها الثقافية ومجالسهم الشخصية وفي كل تجمع اجتماعي ترسل من يلوك الكذب على مسامع الناس ليتحدث بأن هناك قاعدة شعبية عريضة وحاضنة تتسع كل يوم، وأن هناك تأييدا إلهيا للجماعة وهو ما يظهر جليا في ما يسمونه تفوقهم العسكري والأمني والقوة السياسية، وصولاً إلى هرطقتهم بأنهم ماضون حتى تحرير بيت المقدس، متناسين أنهم فعلا عاجزون أمام جبهات الضالع ومارب والساحل الغربي.
يدرك الحوثي أن لا شعبية له، ويعلم أن هناك كثيرا من المنتفعين الذين يصورون له بأنه يحظى بالقبول والالتفاف الشعبي، كما يصور المتطرفون من الجماعة بأن الشعب معهم ومن يعارضهم فقط هم قلة ممن يسمونهم الطابور الخامس أو العملاء والخونة، كما أن البعض يذهب في شطحاته أكثر من خلال تصوير أن القبائل والشعب في المحافظات الشمالية خصوصاً من المذهب الزيدي يوالون بشكل مطلق الحوثي باعتبار أنهم يشعرون بأن الجماعة أعادت وهج المذهب، بينما الواقع يثبت عكس ذلك تماماً، فالشعبية في الحقيقة ضئيلة، والاحتقان والسخط الشعبي بلغ أقصاه، ويرى العقلاء والعارفون بأن لا صلة ولا علاقة بين معتقد المذهب الزيدي والحركة الحوثية التي تطرفت وأصبحت خليطا بين الجارودية والاثنا عشرية، ومهما حاولت الجماعة التمظهر بالزيدية أو الترويج بأنها تحقق الانتصار وتحظى بالقبول المجتمعي ومهما أصرت على ترويج تلك الهرطقات فهناك فرق بين الحاضنة الشعبية الحقيقية والطوعية، وبين تلك المرغمة المقموعة التي تحرك بالحديد والنار والترهيب، كما أن الحقيقة تثبت أنه ما كان لجماعة الحوثي أن تكون أو تصعد إلى الواجهة وتنقلب على الدولة لولا استغلالها الخلافات والأحقاد والثارات الشخصية بين مختلف القوى السياسية، إضافة لإخلاصها في خدمة المخططات الإيرانية الرامية لتخريب اليمن وتحويله إلى قاعدة متقدمة للحرس الثوري الإيراني لإيذاء الخليج وتدمير اليمن.