بالرغم من الحديث المتكرر عن جهود محادثات السلام في اليمن، إلا أننا ما زلنا أمام مشهد معقد. فليس هناك ما يشير إلى أن السلام قادم رغم هدوء جبهات القتال نسبياً.
تواجه العملية السياسية صعوبات بالغة خصوصاً مع استهداف الهوية الثقافية ومحاولة اجتثاث معتقدات اليمنيين السياسية والدينية من قبل جماعة الحوثي التي تفرض فكرها بالقوة والتجويع، وهو الأمر الذي يسهم في تأجيج الصراع واستمرار النزاع وتفويت فرص السلام بلا شك.
إن استغلال الجانب الثقافي يؤدي إلى تعمق الفجوات بين الفئات المختلفة ويفشل أي جهود لتحقيق السلام. لأن المكونات اليمنية بطبيعة الحال لن تقبل باستهداف معتقداتها وثقافتها.
منذ استيلاء حركة الحوثي على مناطق واسعة من اليمن، بدأت الهوية الثقافية لهذه المناطق تتغير بشكل ملحوظ. فرض الحوثيون تأثيرهم على العادات والتقاليد المحلية، محاولين دمجها مع توجهاتهم الفكرية والسياسية. فقد شهدت المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تغييرات في المناهج التعليمية، حيث تم إدخال مواد تعكس أيديولوجيتهم، بالإضافة إلى الترويج لأحداث تاريخية تتماشى مع رؤيتهم، وذلك لتعزيز هويتهم الثقافية في عقول الجيل الجديد.
كما تغيرت اللغة والخطاب العام في وسائل الإعلام المحلية التي تسيطر عليها الحركة، حيث أصبح يتم التركيز على مفردات وشعارات تعزز من الولاء للحركة وقياداتها. إضافة إلى ذلك، تم إدخال تقاليد جديدة في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية، تتماشى مع العقيدة الحوثية وتعزز من حضورهم الثقافي في المجتمع.
التأثير الاجتماعي للحوثي
لم يكن التغيير الثقافي هو الوحيد الذي أحدثه الحوثيون في المناطق التي يسيطرون عليها، بل كان هناك أيضاً تأثيرات كبيرة على البنية الاجتماعية. فقد أعادت الحركة تشكيل الهياكل الاجتماعية من خلال تعيين موالين لهم في المناصب الحكومية والإدارية، مما أدى إلى تغيير جذري في كيفية إدارة الأمور اليومية للمواطنين.
فيما يتعلق بالتعليم، فقد قامت الحركة بإدخال تغييرات على المناهج الدراسية لترسيخ أفكارها وإيديولوجياتها بين الطلاب. أما في مجال الصحة، فقد تأثرت الخدمات الصحية بشكل كبير نتيجة للحرب والحصار، مما أدى إلى تدهور الرعاية الصحية وزيادة معاناة المواطنين. كذلك، فإن حقوق الإنسان كانت من أكبر التحديات التي واجهتها المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث شهدت هذه المناطق انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب.
العلاقة بين الحوثي واليمن
لقد أثرت سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة في اليمن بشكل كبير على العلاقة بين الحوثي وباقي أطياف المجتمع اليمني. فالحركة الحوثية، التي تمردت على الحكومه أصبحت طرفاً رئيسياً في النزاع اليمني، مما أدى إلى تعميق الفجوة بين مختلف الفصائل اليمنية. الديناميات السياسية في اليمن تأثرت بوجود الحركة، حيث أصبحت المواجهات المسلحة والصراع السياسي السمة الغالبة على المشهد اليمني.
علاوة على ذلك، تأثرت العلاقة بين الحوثي وبقية المجتمع اليمني، بما في ذلك القبائل والمكونات السياسية الأخرى، بسبب السياسات القمعية والانتهاكات المتكررة التي ترتكبها الحركة. هذا الصراع الداخلي أسهم في تفكك النسيج الاجتماعي اليمني وزيادة الانقسامات الطائفية والقبلية.
التأثير على المستقبل
إن تأثير حركة الحوثي على المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي لليمن كبير ومتعدد الأوجه. من الناحية السياسية، يواجه اليمن احتمال استمرار الصراع لفترة طويلة ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي شامل. الحركة الحوثية أصبحت جزءاً من المعادلة السياسية في اليمن، وبالتالي فإن أي تسوية سياسية مستقبلية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار وجودهم ودورهم في الساحة اليمنية.
اقتصادياً، تأثرت اليمن بشكل كبير نتيجة للصراع المستمر، حيث دمرت البنية التحتية وتراجعت الأنشطة الاقتصادية، مما زاد من معدلات الفقر والبطالة. إن إعادة بناء الاقتصاد اليمني تتطلب جهوداً كبيرة واستثمارات ضخمة.
اجتماعياً، من المتوقع أن تستمر التحديات الاجتماعية التي نتجت عن سيطرة الحوثيين، بما في ذلك تدهور الخدمات الصحية والتعليمية وانتهاكات حقوق الإنسان. إن معالجة هذه القضايا تتطلب تغييرات جذرية في السياسات الحالية وتعاوناً دولياً لدعم اليمن في هذه المرحلة الحرجة.
إن مستقبل اليمن يعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة الصراع الحالي والتوصل إلى حلول سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة تساهم في إعادة بناء الدولة اليمنية وتحقيق الاستقرار والسلام.
كيف يمكننا حل المشكلة إذا كانت العقدة موجودة؟