د. أحمد عبداللآه

د. أحمد عبداللآه

تابعنى على

عن خطة ترامب وحجر الزاوية

منذ ساعتان و 37 دقيقة

تتلخص خطة ترامب في: جعل غزة منزوعة السلاح، مع إعادة إعمارها وتطويرها لصالح سكانها. وبعد الاتفاق، تتوقّف الحرب، ويتم تبادل الرهائن والأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية وإعادة تأهيل المرافق الحيوية. ثم تُنشأ قوة أمنية مشتركة عربية - دولية لتثبيت الاستقرار، يتبعها انسحاب إسرائيلي تدريجي ضمن معايير أمنية وأطر زمنية، على أن يُسلَّم القطاع إلى "قوة استقرار دولية". وتتولى إدارة غزة مدنيًا "لجنة تكنوقراط" مؤقتة تحت إشراف "هيئة انتقالية" (Board of Peace) تمهيداً لترتيبات فلسطينية ومسارات سياسية مستقبلية. 

البنود الكاملة للخطة تكشف عن ثغرات وعن فقرات فضفاضة وأخرى غامضة، مع غياب الضمانات الموثوقة والجداول الزمنية الواضحة. ومع ذلك قوبلت بترحيب من دول عربية وإسلامية باعتبار أنّ وقف الحرب، والانسحاب التدريجي، ومنع تهجير سكان غزة، وإعادة الإعمار، خطوات حيوية بحد ذاتها.

منذ البداية ضخّت إسرائيل روايات عن التهجير القسري وفتح ممرات نزوح، وكانت تدرك أنه حتى لو فشل سيناريو التهجير بفعل ضغط المجتمع الدولي، فإن مجرد التلويح به يظل أداة فاعلة لبث الخوف والرعب وإعداد الفلسطينيين والعرب لقبول شروط قاسية أخرى.

إنها استراتيجية إدارة الصدمة: خلق خطر أكبر، ثم التراجع عنه تدريجيًا لتسهيل القبول بأخطار أخرى.

التاريخ يكشف أنّه في كل اتفاق مع إسرائيل يُغَيَّب بند أو يُصاغ بعبارات ملتبسة، ليكتشف الفلسطينيون والعرب لاحقًا أنّه الحجر الذي “أهمله البناؤون” ثم صار حجر الزاوية.

في المحصِّلة، تبدو أن الخطة ـ حتى لو نجحت المقاومة الفلسطينية في استجلاء نقاطها الحرجة وإدخال بعض التعديلات ـ لا تمثل أكثر من الحدّ الأدنى الممكن التوافق عليه، في ظلّ الاختلال الكبير في ميزان القوى وضعف الموقف العربي الرسمي والشعبي. غير أنّ هذا الواقع، على محدوديته، قد يكتسب معنى أعمق بفعل انكشاف فظائع حرب الإبادة الإسرائيلية، خصوصًا حين يتمكّن الإعلام العالمي ـ بعد توقف القتال ـ من دخول غزة وكشف التفاصيل الكاملة للخراب والمجازر والمعاناة الإنسانية. عندها يتعزّز إدراك الشعوب لحقيقة هذا الكيان الاستيطاني و سردية "أرض الميعاد"، وهو ما يفتح شقوقًا عميقة في جدار المؤسسة الصهيونية ويمهّد لتحوّل تاريخي في الوعي العالمي.

مع ذلك يبقى السؤال: هل كان هذا الثمن الباهظ من دماء الفلسطينيين شرطاً لا مفرّ منه لإحياء قضيتهم وإيقاظ الضمير العالمي لصوغ موقف يمهّد لقيام دولة فلسطين، أم سيبقى جرحاً مفتوحاً في ذاكرة البشرية؟

ذلك ما سيجيب عنه المستقبل…

من صفحة الكاتب على الفيسبوك