محمد سعيد الشرعبي

محمد سعيد الشرعبي

تابعنى على

السلام مع الديناميت

Friday 30 March 2018 الساعة 02:50 pm

ليس في قواميس جماعات الموت والديناميت ثقافة للسلام وحرص على الحياة؛ كون مشاريعهم الماضوية متخمة بالأوهام المذهبية، ومزاعم الحق الإلهي في الحكم، واستعباد البشر باسم الله.

حرصت جماعة الحوثي على نسف الجهود الأممية والأوروبية بقصف الرياض ومدن حدودية سعودية في ذكرى انطلاق عاصفة الحزم، دون أدنى اكتراث بتبعات استمرار الحرب على اليمن والمنطقة.

ومثلت الضربة الصاروخية العشوائية إحراجاً شديداً للمبعوث الأممي مارتن غريفيث، في مستهل زيارته إلى صنعاء، ودفعت نخب الخليج لمطالبة قوات التحالف بتكثيف عملياتهم في اليمن.

المؤكد، يرفض الحوثيون مبادرات السلام القائمة على المرجعيات الثلاث، لأنها ستجردهم من مكاسب الحرب، وتنزع منهم السلطة والقوة، وتعيدهم إلى سيرتهم الأولى مواطنين يخضعون لسلطة الدولة.

مكّنت الحرب قيادات حوثية من حصد مكاسب مالية كبيرة من وراء زيادة الضرائب والجمارك وابتزاز التجار ورفع الأسعار وفتح الأسواق السوداء، ولن يتوقفوا عن الكسب غير المشروع بكذبة الصمود في وجه "قوات العدوان".

علاوة على ذلك، قرار الحوثيين بيد إيران وذراعها اللبناني حزب الله، ولهذا لا يمكنهم الذهاب نحو إنهاء الحرب وإحلال السلام بعد ما اقترفوا جرائم بحق اليمن وأهله دون موافقة أسيادهم في طهران والضاحية الجنوبية.

ولهذا، لا يمكن لجماعة مستغلة وعقائدية، مرتبطة بمشروع توسعي في المنطقة مراجعة ذاتها، وإنقاذ بلدهم وشعبهم من ويلات انقلابهم على الجمهورية، بوقف حربهم ضد الأرض والإنسان بعد ثلاثة أعوام من النكبة.

في المقابل، تتمسك الحكومة الشرعية بالمرجعيات الثلاث لوقف الحرب من جانبهم، والعودة إلى طاولة المفاوضات، ورغم علمهم المسبق منذ بداية النكبة بخطورة مشروع الحوثيين، لم تسرع الشرعية وتيرة الحسم العسكري، بل تركت الشعب فريسة لهم.

لقد عصفت الصراعات السياسية ومصالح عصابات الفساد بوحدة موقف مكونات الشرعية، وأصبحت الحرب تجارة رابحة لهم، وفرصة ذهبية لجماعات عقائدية أخرى هدفها الأساسي بناء سلطة موازية للدولة، وتحول أغلبهم إلى أدوات تدمير ومضخات كراهية.

وخلقت الحرب مافيا فساد كبرى داخل الشرعية، لها أدواتها الإعلامية والإجرامية، وعلاقاتها المتشعبة، ويعملون على الاتجار بالمعركة ومآسي الحياة وآهات الشعب، ويجمعهم مع الحوثيين هدف إطالة الحرب حتى فناء آخر يمني.

ويعيق جهود الحسم وإحلال السلام في اليمن جملة أسباب، من بينها، تضارب أولويات الشرعية والتحالف المساند لها، وقبل ذلك، صفقات الأسلحة وتمويلات المنظمات الدولية، ومكاسب مافيا الفساد على ضفتي الجحيم.

تشدد المواقف الإقليمية والدولية على ضرورة إنهاء مأساة اليمن المنكوب من خلال تسوية سياسية، ولكن التصريحات المعلنة ترتطم، دائماً، بالمصالح الظاهرة والخفية للمستغلين الكبار في الداخل والخارج لهذه المأساة.

للأسف، لن يعود الحوثيون إلى طاولة المفاوضات من أجل إنهاء الحرب، بل بهدف كسب الوقت فقط لترتيب صفوفهم، كما ليس من مصلحة الشرعية والتحالف إطالة أمد الحرب والغرق في وحل الصراعات العمياء المتقدة على هامش المرحلة.

وأخيراً، تقول تجربة حرب اليمن، لا أحد يعمل على إنهاء النكبة، بل منشغلون في إشعال الكوارث والاتجار بالمآسي، وهنا يظل حديثنا عن السلام وهماً وأماني بعيدة عن حقيقة الواقع، وحسابات وهواجس فرقاء الداخل وحلفاء الخارج.