نعبر اليوم فوق لغم كان يمكن أن ينفجر داخل المدينة في اليومين الماضيين لولا الحكمة التي تعامل بها القائمون على رأس هرم السلطة المحلية في تعز، فتعاملت كدولة، ورفضت أن تتعامل إلا وفق أدوات الدولة.
البارحة اجتمع المحافظ بقيادات الأحزاب السياسية في المحافظة وكان لقاءً أعتبره أهم لقاء مع الأحزاب السياسية منذ بداية توليه رئاسة السلطة المحلية، تم مناقشة كل الأمور المتعلقة بالوضع الأمني وملف التحرير والأحداث الأخيرة التي شهدتها المحافظة.
وقبلها عُقدت عدة لقاءات للمحافظ مع القيادات الأمنية والعسكرية، وتم مناقشة الخطة الأمنية وإقرارها.. وكذلك لقاءات تتعلق بملف التحرير، سيلمس أثرها قريباً.
لقد تابعنا الحملة الإعلامية التي شُنت ضد قيادة السلطة المحلية، وفضلنا عدم الانجرار أو الرد عليها لعدة أسباب، أوجزها في الآتي:
- أن تعز لا تحتمل المزيد من التشظيات والانقسامات، ومسئولية الرجل الأول فيها هي رص الصفوف وتوحيد الجهود وبالتالي كانت التوجيهات بأن لا يتم الانجرار خلف أي حملة إعلامية تحاول أن تشعل النار. وعدم السماح لأي مؤثر أن يتحكم بمصير القرار أو يحرفه عن مساره.
- أن تعامل رجل الدولة تكون بالأطر الرسمية، توجيهات، برقيات، قرارات، تقارير للمسئول الأول في الدولة. وطالما وهناك خطة وتوجه واضح لضبط الأمن داخل المدينة فلا ينبغي أن يلتفت لغير ذلك، مهما كانت المؤثرات الصاخبة.
- الوضع في تعز ليس كما تصوره وسائل الإعلام أو يتداوله بعض الناشطين.. هناك تعقيدات على الواقع لابد من التعامل معها بحذر وحكمة حتى لا تذهب المدينة في طريق الحرب الداخلية ونخسر كل ماضينا والمستقبل، وبالتالي كان خيار انضواء الجميع تحت سلطة الدولة أهون الف مرة من أن تنضوي بعض القوى تحت مظلة غير مظلة الدولة، وهو الضامن للمجتمع مستقبلاً. وبالتالي كانت كل القرارات والتوجيهات التي صدرت تراعي حساسيات المرحلة وتنظر للمستقبل بحرص شديد. وهي مسئولية أخلاقية ووطنية لا يمكن التراجع عنها مهما كانت الضغوطات والمكايدات.
إن صوت العقل مهما كان خافتاً وغير مرحب به لدى بعض من يتحمسون للصوت الصاخب والأكشن والمغامرات التي تظهر فيما بعد حجم الخسارة الفادحة التي خسرتها تعز ويتحمل عواقبها كل البسطاء الخاسرين دوماً، إلا أنه الصوت الضامن والحقيقي لعدم تكرار مآسٍ عانينا منها كثيراً في الماضي، ولا يمكن السماح بها مجدداً مهما كانت الضغوطات.
إن مسئولية المحافظ هي ضمان أمن المواطن أولاً، وهو ما يحتم عليه أن يتعامل بعقل وهدوء ويراعي مصلحة الجميع.
يدرك الجميع أن مجرد الدخول إلى مربعات وأحياء في المدينة كان حلماً، وهو اعتراف صرح به معظم القيادات العسكرية والأمنية والحزبية في المحافظة، لما كانت تمثله بعض المربعات من خوف ورعب، واستطاعت السلطة المحلية والجيش وأجهزة الأمن دخول هذه الأحياء والبدء بخطة ضبط الأمن فيها. والانطلاق من هناك لتأمين بقية أحياء المدينة.
كما لايزال يتذكر الناس كل المعارك العبثية التي كانت تحدث داخل المدينة في وسط شارع جمال بين مسلحين مدججين بأنواع الأسلحة خفيفها وثقيلها على أسباب تافهة ومصالح ضيقة لا علاقة لها بمصالح المحافظة أو مصالح الناس.
ومن أجل ذلك كان لابد أن تعود الدولة إلى مقراتها وتعيد ترتيب قوتها وتنظيمها وتبدأ من هناك حملة أمنية ستشمل كل الخارجين على القانون والقتلة طال الوقت أو قصر.
لقد بدأت السلطة المحلية مسيرة بناء الأجهزة الأمنية من الصفر.. وحتى يعلم الجميع، لقد دمرت الحرب كل إمكانيات الأجهزة الأمنية وحولتها إلى الصفر وغابت أجهزة الاستخبارات وجرفتها الحرب، وإلى قبل أيام كانت إدارة الأمن لا تملك طقماً عسكرياً واحداً، والآن ولله الحمد أصبحت لدى أجهزة الأمن وحدها أكثر من 70 طقما عسكريا وسرايا وكتائب أمنية من أفراد الأمن العام والشرطة العسكرية والقوات الخاصة وشرطة النجدة ستتولى عملية تأمين المدينة بكاملها وفق خطة أمنية مدروسة أعدتها القيادات الأمنية.
كما بدأت أيضاً مرحلة ترميم المؤسسات الحكومية وإعادة تفعيلها بعد أن دمرتها الحرب وعطلتها، وبدأ النازحون بالعودة إلى المدينة بعد انتظام رواتب الموظفين، بعد معاناة انقطاعها لأكثر من عام ونصف لدرجة جعلت البعض منهم يشعر بالذل والهوان وهو يقف وحيداً دون ساند يسنده أمام متطلبات الحياة وشظفها، وبالتالي كان تحرير لقمة العيش يأتي على رأس أهداف التحرير.
أخيراً :
ستمضي السلطة المحلية في تطبيع الحياة في كل المربعات والأحياء ضمن خطة تهدف إلى جعل تعز هي المحافظة الأولى في مشروع التحول نحو النظام الفيدرالي والأقاليم، وتستعيد دورها الريادي في التعليم والثقافة والصناعة والتجارة.
إن الطريق مهما بدت طويلة لاستعادة الدولة، ومهما تخللتها بعض المطبات، تظل العزيمة صلبة والحلم عظيماً. سنمضي فيها مهما كانت وعورتها.. خلفنا تضحيات الشهداء وأمامنا مستقبل الأجيال.
*السكرتير الخاص لمحافظ تعز
من صفحة الكاتب علی الفيس بوك