وسط زحام سوق النخاسة والبيع والشراء، للمواقف والشخصيات السياسية والاجتماعية اليمنية، ضاع اليمن وعُذب شعبه وتمزق نسيجه الاجتماعي، فهذا ينادي بالثبات الوطني والصمود الأسطوري، وآخر بح صوته من المناداة بالدولة والمؤسسات الوطنية، والكل ينادي بالإصلاح ومحاربة الفساد وتوفير الأمن والعيش الرغيد للشعب الذي ساموه مر العذاب، ليكملوا عذاباته بعذابات من أنواع جديدة، تجويعاً وتجهيلاً وقتلاً.
المواطن اليمني البسيط يتساءل وهو يسمع الموافقة أو الرفض في تسليم محافظة الحديدة ومينائها أو أي مدينة أخرى، ويردد باستغراب شديد حديث الحوثيين ومن كل الأطراف
من سيحاسب من؟
هل سيحارب الفاسد الفاسدين؟
وهل سيكافح الطائفي والسلالي ما أفرزته تصرفاته وعنجهيته؟
والأهم من ذلك كله، هل سيسمح الفاشل للناجح بالعمل لإصلاح ما خربه الفاشلون؟!
بمعنى هل سوف يسمح بإدارة الميناء التي فشل فيها وجيرها لخزينته ونهب مواردها، هل سيسمح لمن سيديرها بالنجاح وكشف زيف ومكر وفساد الحوثي من خلال النجاح وتوفير المرتبات وإدخال المعونات والمواد الإغاثية والمشتقات النفطية دون عراقيل؟!
لا أعتقد أن الحوثي جاد في تسليم الميناء والحديدة، فهو يناور فقط ليكسب مزيداً من الوقت لترتيب صفوفه، وإعادة تموضع مقاتليه، ولذا يصر على دور رقابي فقط، ومن الجنون الموافقة على ذلك من قبل القوات المشتركة والقيادات السياسية، فكيف ستنجح الرقابة وفوهات البنادق فوق رؤوسهم، ولذا لا حل سوى خروج الحوثي ومليشياته من المدينة ومينائها.
ويستمر تساؤل المواطن اليمني وتحليلاته للواقع، ويندهش من الخطب الرنانة والتخرصات الحوثية بأنهم مفتاح الأمان، وأنهم يوفرون الأمن وغيرهم سيأتي بالدمار والويل والثبور، و لا يعي الحوثي وأتباعه ومن يوجهونه بأن المواطن اليمني يضحك كثيراً ويتساءل، هل سيوفر الأمن لليمنيين، من دمر ثلاثة أرباع اليمن وقتل واعتقل، وفجر ولغم كل شبر فيه؟
الحقيقة التي يعيها الجميع أن هذه الجماعة بل وكل الجماعات الدينية، مشغولون بأمور أبعد ما تكون من معاناة اليمنيين، فكل شيء في اليمن مستباح، اليمنيون ما زالوا ينزفون الدماء قرباناً لشهوة الطامعين في السلطة ومغانمها التي لا تنتهي، وجرائم المهرولين نحو الكراسي خير دليل على ما أقول، وصراع الخاسرين والفائزين في المعارك الأخيرة لا ينتهي.
لقد دمر الصراع القائم اليمن أرضا وإنسانا، وخلفت الجماعات الدينية "شركاء الساحات" مآسي بحق اليمنيين لا يتصورها بشر، فالاقتصاد مخرب، والسارقون مشغولون بالنهب والسلب كأنهم غرباء عن هذا الوطن وليسوا جزءا منه، فالحقيقة أثبتوا أنهم غرباء لا تربطهم بالشعب والوطن أكثر من غنائم السلطة، آخر فضائحهم التي أزكمت الأنوف، هو هذا الإصرار على عدم الخروج من الحديدة التي باتت في حكم المحررة من قبضتهم، و يكشف زيفهم في عدم وجود مدخول مالي أو تهريب، هذا التمسك بالميناء وكأنه وريثتهم الخاصة.
لقد أصاب شعبنا اليمني الملل والإحباط من الوعود الكاذبة التي تطلق من على لسان الحوثي ووسطائه حول رغبتهم في السلام وإنهاء الحرب! لا يثق الشعب فيهم أبداً فهم طيلة عقد ونيف من السنين العجاف منذ تمرد وتسلط هؤلاء على رقاب اليمنيين، لا يزرعون سوى ثقافة الموت، وشعارات الفناء، ويتمسكون بأفكار واهمة، وتمييز دفنهم أبناء شعبنا منذ 26 سبتمبر 1962، وخلال هذه السنوات الأربع خصوصاً أعاد الحوثيون اليمن مئات السنوات للوراء، بفكر إمامي كهنوتي دموي، فكانوا أسوأ خلف لأسوأ سلف، ولا يحتاج هذا الأمر إلى دليل، فنظرة بسيطة تكشف مدى لهثهم وراء المناصب التي تدر عليهم ذهبا من كد وشقاء وأقوات اليمنيين ودمائهم، فهم في وادٍ والشعب المنكوب في وادٍ آخر.
ويصح القول على هذا الوضع (لا يصلح العطار ما أفسده الدهر) ونردد بيقين تام "لن ينسى الشعب ما اقترفه الحوثي وسلالته للأبد".