فارس جميل

فارس جميل

سوق سوداء.. وأيام سوداء جديدة بصنعاء

Monday 17 September 2018 الساعة 07:08 pm

قال سعيد إنه سعيد جداً، أنه أصبح يكره نفسه، لأنه يصاب بـ(داء السعادة) مع كل أزمة وقود جديد، فقد نفدت مدخراته منذ آخر أزمة، وليس لديه من فرصة عمل ومصدر دخل غير العمل بالسوق السوداء، "أكره نفسي لأن رزقي مرتبط بحاجة الناس ومآسيهم"، مع أني كنت ذات يوم موظفاً محترماً، ولا أقبل الرشوة ولا الاحتيال، فأنا أحمل شهادة جامعية والمفروض أخدم بلدي وليس أن أستغل أزمات المواطنين مثلي، لكن أطفالي سيجوعون لو استجبت لضميري.

"لم ينفد مخزون الوقود، فالمورد الذي اشتري منه البترول أيام الأزمات يمتلك مخزوناً كبيراً"، لكنه يغلق المحطة ويبيع بالسوق السوداء بسعر مرتفع، وسعيد أحد الذين يعملون معه في أيام الناس السوداء، فالسوق السوداء تمثل الأيام البيضاء للمستوردين الذين يختلقون الأزمات، حد قول سعيد.

من (8500) ريال قفز سعر العشرين لتراً من البترول إلى (20 ألف ريال) خلال ساعات، تزيد في شارع وتنقص في شارع آخر، حسب المورد وشروطه، وحسب شروط مشرف الحوثيين الذي يتبعه المورد، فلو كان المشرف نزيهاً وليس شريكاً لما تجرأ المورد على إغلاق المحطة وبيع البترول بالسوق السوداء.

كانت أسعار السوق السوداء زمان لا تصل إلى أسعار البيع الرسمي في المحطات اليوم، كما تعلم، لكن كل شيء تغير، ولا سقف لأطماع الجشعين من التجار والجماعة (الحوثيين).

ينظر إلينا الناس بعين الغضب والاحتقار، أقرأ ذلك في عيون زبائني، لكنهم لا يعلمون أننا مجرد واجهة والمستفيد الأكبر يتابع من منزله ويحسب أرباحه دون أن يحتك بالمواطنين مباشرة، أضاف سعيد الذي يبدو حزيناً للغاية للدور الذي يقوم به.

رغم عودة قوائم المحطات التي تبيع بالسعر الرسمي منذ يوم السبت بصنعاء، إلا أن الطوابير سرعان ما تقف ويعود من وقف فيها خائباً دون بترول، فسرعان ما يتم إغلاق المحطة بعد بيع القليل من مخزونها ويتم تسريب الباقي ليلاً إلى السوق السوداء، ولو كانت هناك رقابة لما تمكنوا من تسريبه.

في شارع 16 المتفرع من شارع هائل (الرياض)، اشتبك اثنان من عقال الحارات في منطقة معين بالسلاح وتبادلا إطلاق النار، لأن الدينا (سيارة بيع الغاز) وصلت إلى المنطقة وكل عاقل منهما يريد توزيع حمولتها في حارته، لأنه يحصل على عمولة محددة منها، فأزمة البترول الجديدة مجرد إضافة إلى أزمة قديمة، ومستمرة منذ ثلاثة أشهر دون حلول، مع أن الغاز لا يستورد من الخارج بل يأتي من داخل اليمن، وهناك محطات بيع مفتوحة في محافظة صنعاء المحيطة بالعاصمة، بينما العاصمة كل محطاتها مغلقة.

من المنطق أن من يستطيع توفير الغاز لمحطات المحافظة، ومحطات تعبئة السيارات التي تعمل بالغاز داخل العاصمة، قادر على توفيره في محطات تعبئة الغاز المنزلي، إلا أن السعر المضاعف عند بيع الأسطوانات الجاهزة وبطوابير طويلة لا شك تحقق أرباحاً أكثر للمستفيدين الكبار الذين لا يظهرون بالصورة.

لا تعود أزمة الوقود الحالية لاشتعال معركة الحديدة منذ أيام، بل لرفض حكومة الحوثيين بصنعاء الاستجابة لقرار اللجنة الاقتصادية التي كلفها الرئيس هادي بوضع حلول لتدهور قيمة العملة اليمنية مؤخراً برئاسة حافظ معياد، حيث اشترطت اللجنة لتوريد أية سلعة أساسية كالوقود والقمح أن يتم وضع وديعة مالية والحصول على ضمانة بنكية للمستورد من البنك المركزي بعدن، وهذا يحرم الحوثيين من موارد هائلة.