عبدالفتاح الصناعي
الخطاب السبتمبري.. خطاب وطني أم ضرورة سياسية؟!
لم يكن خطاب الحمدي، رحمه الله، يوغل بالكلام عن الإمامة وأعداء الثورة والجمهورية، كخطاب صالح وحلفائه والنخبة السياسية والاجتماعية والثقافية بعهده، ولا كاندفاع وحماسة الجمهوريين السبتمبريين اليوم.
لم يزايد ولم يبالغ الحمدي بالكلام عن الثورة في خطابه ولكنه جعل الثورة تتجلى كواقع عملي في رئاسته كأرقى ما يمكن في طموحها الوطني وتبلورها الحداثي والبناء المؤسسي للدولة وعمق الخطاب السياسي والدبلوماسي والتركيز على تحقيق هدف بناء جيش وطني.
الكلام عن صراعات تمخض الثورة منذ بدايات الحركة الوطنية وعن حروبها ومواجهاتها مع الإمامة والملكية والسلالية كعدو تاريخي واتباع هذه الإمامة الظاهرين والمخفيين، القدامى والجدد، عبر عن عجز وفشل واخفاق في الواقع والخطاب، وعجز كامل عن تحقيق أي افاق جديدة بإحداث انتقالة وطنية حقيقية، التي من شأنها خلق واقع جديد ومخاطر جديدة تنتقل بالخطاب الوطني الثوري إلى لغة أكثر وضوحا في إشارتها إلى ظلام وتخلف الأمس.. ونور وازدهار اليوم بمقارنة عادلة وواضحة يدركها الجميع دون الحاجة للمبالغات والتكلفات والعودة للعيش في دوامة ومتاهات الصراع السابق.
لقد كان يبدو الكلام المتكلف عن الثورة وانجازاتها وجنودها وأبطالها وأعدائها، كنوع من الخيال وبأن هؤلاء الاعداء للثورة والجمهورية كأنهم نفر من الجن لايمكن رؤيتهم، وحين أصبحوا قوة على الواقع اتهموا باتهمات مختلفة لربما لم يكن منها بشكل جوهري أنهم أعداء للجمهورية وبمراحل مختلفة ومتناقضة تحالف معهم كل اصدقائهم وأعدائهم السياسيين والتقليديين كقوة وطنية جديدة، وحين وصلوا إلى الخلافات والفتك بخصومهم وحالفائهم، وفرضوا سيطرة متآكلة لأسباب التحرك العربي والمحيط الخليجي لمواجهتها، عاد الجميع لإحياء خطاب الثورة والجمهورية كخطاب يواجهون به الحوثي ليس إلا.
وبعيداً على أن يكون الحوثي عدواً للجمهورية والثورة أو لا، وعن حاجتنا لإعادة الخطاب الثوري من عدمه فإن المشكلة بأن كل طرف يريد أن ينال من الخطاب الثوري والجمهوري ما يمكنه من هزيمة عدو سياسي وعسكري قد لايكون هذا العدو هو الحوثي وحده، وقد يكفي أن يهزم الطرف الآخر حتى إعلاميا وحرب كلاميه وجدل يكفي.
خلاصة.. الاندفاع نحو الخطاب الثوري الجمهوري السبتمبري يحتاج إلى مراجعة وتصحيح للاندفاع بحد ذاته قبل الخطاب وقبل مراجعة الأخطاء والتقصير، فالجميع يهمه مأزقه اليوم ولايهمه حقيقة وجوهر الثورة وقيمها، وهو يندفع للبحث عن انتصار وأقل معاني الانتصار له كطرف يهمه تسويق نفسه تحت غطاء خطاب وطني ثوري.
وبالتالي فإن هذا الخطاب الثوري السبتمبري اليوم في معظمه ليس في وعيه ولا في حساباته إحداث أبسط قدر من المراجعات اللازمة والأكثر ضرورة لإعادة ترميم الخطاب الوطني ووضع منطلقات وقيم أخلاقية جديدة يمكنها مواجهة هذا الانهيار الوطني الذي حدث والذي تتسع دائرته ومخاطره كل يوم، والذي تسبب فيه الجميع وشارك بكل فاعلية بإحداث تأزماته وعن سبق إصرار وترصد عملوا على الوصول لهذا الانهيار، والذي كان الحوثي أحد مظاهره ونتائجه، وليس سببه ومسببه الرئيسي والمسؤول عنه وحده، كما يحاول البعض أن يصوره.
وحين يتم الانتصار على الحوثي لأسباب ليس من ضمنها الخطاب السبتمبري الثوري، فإننا سنظل نواجه العديد من التأزمات والخلافات والصراعات الجوهرية، حينها ستتخلى الأطراف السياسية عن الخطاب السبتمبري، لأن هذا الخطاب لم يكن أكثر من ضرورة سياسية مؤقتة، وستأتي الأعياد والذكرى السبتمبرية بنوع من البرود والاحتفالات الاعتيادية والخطاب التقليدي السطحي حتى تلك الأقلام التي تكتب اليوم باندفاع وعاطفة ستكون كذلك.
الأمر لن يمر بسلام، وليس كما يزعم أطباء الأعشاب الشعبيون "بأن دواء الأعشاب إن لم ينفع لن يضر".
فخطاب الضرورة السياسية اليوم، إن لم ينتج وعيا حقيقيا وقيما أخلاقية ووطنية جديدة تحدث واقعا جديدا أو تبدأ على الأقل برسم ملامح وعي جديد، فإنه يؤسس لمشكلة حقيقية وانهيار قادم بالغد لا محالة وقد يبدأ من اليوم على مستوى الفكر والوعي والواقع.
دعونا نراهن ونصر ونستبسل على إحداث الوعي الجديد ببدايات متواضعة، وأن نشعل شمعة ونواجه الظلام في الوقت نفسه.