سمير الصنعاني

سمير الصنعاني

من التخوين إلى التنازل: الحوثي ولغة القوة!!

Thursday 29 November 2018 الساعة 09:36 am

عقب تحرير قوات المقاومة المشتركة أجزاء واسعة من مدينة الحديدة ووصولها إلى مشارف الميناء هبّت مليشيات الحوثي لتعرض على الخارج تسليم ميناء الحديدة للأمم المتحدة مقابل إبقاء تواجدها على الأرض وتستغيث الخارج وتستعطفه، بل وتقدم التنازلات سراً وعلانية مقابل إنقاذها من مصير محتوم وهو تخليص الحديدة وسكانها من سطوة وظلم مليشياتها القبيحة.

ربما تنطلي حيلة كهذه على البعض خصوصاً أولئك الذين يستثمرون قضية المليشيا الحوثية في إطار تحقيق مصالحهم في المنطقة، لكنها خدعة لا يمكن أن يصدقها اليمنيون الذين باتوا اليوم أكثر قناعة بأن الحوثيين يكذبون كما يتنفسون وأنهم جماعة بلا عهد وبلا ذمة وبلا أخلاق ولا يمكن الوثوق بهم أو بعهودهم مطلقاً.

ولتأكيد أن هذه المليشيا جماعة بلا عهد ولا يمكن تصديقها، نذكّر الجميع بالمبادرة التي أطلقها مجلس النواب في صنعاء والتي تضمنت مقترحاً بأن تتولى الأمم المتحدة الإشراف على كافة موانئ ومطارات ومنافذ اليمن ومنها ميناء الحديدة، وهي المبادرة التي صيغت حينها بالاتفاق بين لجنة ضمت قيادات مؤتمرية هم يحيى الراعي وخالد الديني، وقيادات حوثية هم عبدالسلام هشول ومهدي المشاط، لكن وعقب إعلان المبادرة خرجت قيادات المليشيا الحوثية السياسية والإعلامية لتلقي تهم الخيانة والعمالة للمؤتمر ولقياداته وللبرلمان ولرئاسته وأعضائه وتتهمهم ببيع البلاد والتنازل عن السيادة واستلام ثمن ذلك، وشنوا حملة مسعورة ضد رئيس المؤتمر الشهيد علي عبدالله صالح وكل قيادات حزبه حينها، وتنصلوا حتى من مشاركتهم في صياغة بنود المبادرة، وظلوا مذ حينها وهم يكررون اتهاماتهم تلك في إطار حملات الأكاذيب التي يبتدعونها كثابت في أدائهم السياسي والإعلامي.

إذاً ما الذي استجد حتى تغير مليشيا الحوثي جلدها وتحاول أن تقدم تنازلاً بعد أن كانت تراه من الآخرين خيانة؟!

المستجد الوحيد هو القوة التي لا تفهم المليشيا الحوثية غيرها، ولأن هذه المليشيا شعرت أن المقاومة المشتركة باتت قاب قوسين أو أدنى من استكمال طردها من الحديدة مدينة ومطاراً وميناءً، شعرت بفداحة ما ستخسره خصوصاً وأن ميناء الحديدة كان بالنسبة لها ليس مجرد البقرة الحلوب فحسب من الناحية المادية، بل ومنفذا حيويا وسياديا استغلته في ممارسة عمليات التهريب للسلاح وللنفط الإيراني الذي يصل إليها كدعم شهري بطرق ملتوية، وصفقات تجارية أخرى متعددة باتت تدر عليها أرباحا خيالية، ناهيك عن شعورها بأن تحرير ميناء الحديدة وطردها من الساحل الغربي سيمثل ضربة قاصمة لقدرتها على استخدام هذا التواجد كورقة في استهداف الملاحة الدولية في منطقة باب المندب والبحر الأحمر خدمة للأجندة الإيرانية، ولولا ذلك لما كان حسن نصر الله زعيم مليشيا حزب الله صرخ كل ذلك الصراخ عن معركة الساحل الغربي.

إن مليشيا الحوثي تدرك جيداً أن تحرير الحديدة وطردها منها سيمثل انتكاسة لمشروعها الذي سيشهد انحساراً وتراجعاً على المستوى الجغرافي والمادي وعاملا مساعدا في هزائم متلاحقة ستصيبها في مناطق أخرى كما هو الحال في صعدة والضالع، ولذلك سارعت للبحث عن منقذ مقدمة تنازلات كانت تصف من يتحدث عنها بالخائن، بل وسارعت لممارسة سياسة الألاعيب التي تكررها كلما ضاق الخناق عليها كما هو الحال مع المبادرة التي أطلقها القيادي في المليشيا محمد علي الحوثي والمتضمنة إيقاف إطلاق الصواريخ الباليستية على السعودية، وهي مبادرة لم يكد يجف حبر التغريدة التي كتبت بها في تويتر حتى كانت المليشيات تطلق صواريخها الباليستية باتجاه السعودية وباتجاه اليمنيين في الساحل الغربي، لتؤكد للجميع أنها جماعة كاذبة ومخادعة.

لقد أثبتت معركة الحديدة أن القوة وحدها هي من ستنهي سطوة وكهنوت وظلم المليشيا الحوثية الذي تمارسه على أبناء الحديدة الأرق قلوباً والألين أفئدة، وعلى كل أبناء الشعب الذين تسيطر على مناطقهم بالحديد والنار، وأن معركة اليمنيين ضد هذه المليشيا مسألة لم يعد يجدي معها الركون إلى وعود زائفة تقدمها جماعة دينية متطرفة لا تؤمن سوى بنفسها وبحقها الإلهي، ولا ترى في الآخرين سوى عبيد لها، ولا تفي بعهد توقعه ولا بوعد تقطعه، ولعل تجربة التحالف بين الزعيم علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر مع هذه الجماعة ومحاولته جرهم إلى مربع الوطن والدولة أثبتت بما لايدع مجالاً للشك أنها مليشيا لا تؤمن إلا بنفسها ولا تقبل التعايش مع الآخرين إلا إذا تحولوا إلى مجرد (عكفة) لديها، وهو الأمر الذي يجعل على الجميع ومن حقهم مواجهتها ومقاومتها بكل السبل وبشتى الطرق وفي مقدمتها لغة الحرب والقوة التي لا ينفع مع مليشيا الحوثي سواها.