بخصوص الحرب في حجور، تبدو الأخبار الواردة من هناك مؤسفة بالنسبة للمتعاطفين مع انتفاضة أهالي المنطقة الشجعان ضد الحوثيين.
لكن، وبعيداً عن التفاصيل الميدانية، لاحظنا كيف أن الحوثيين انصرفوا إلى تنفيذ هجومهم بأقل قدر من الضجيج. لم تحظ المعركة هناك بعناية واسعة من وسائل إعلامهم، بل تعاملت معها كما لو أنها حدث جانبي ومعركة صغيرة على هامش الحرب.
في حين أن الأطراف الأخرى المدعومة من تحالف السعودية تعلق على أحداث حجور بشكل مكثف وصاخب، وتحتل الأحداث هناك الصدارة في نشرات أخبار وسائل إعلامها، كما لو كانت المعركة هناك هي أم المعارك وعلى أساسها يتحدد مصير الحرب!
ما الذي يمكن للمراقب أن يستشفه من هدوء الحوثيين في مقابل صخب الأطراف الأخرى؟ هل يجوز تأويل الفارق في التعاطي مع الحدث على أنه انعكاس للفارق في القوة المعنوية بين الطرفين؟ لماذا لا يكون الضجيج علامة ضعف وارتباك وتعويض عن الفعل باللغط الفارغ؟
بالطبع لا يمكن القول إن المعركة في حجور انتهت بالتطورات الأخيرة في العبسية والتي رجحت (قليلاً) كفة الحوثي. الأمور لم تحسم بعد، هذا إذا كان هناك حسم من الأساس. فهي قد تظل نقطة اشتباك لفترة طويلة.
غير أن واقع تجزئة الحرب بحيث يتم تركيز الضوء كل مرة على جبهة واحدة وإسدال الستار على باقي الجبهات؛ هذا الواقع قد يدلنا على أن حرب التحالف بقيادة السعودية لن تأخذ من الحوثيين أكثر مما استطاعت أخذه عليه حتى الآن. فهل ينم هذا عن عجز عسكري وسياسي أم أنه ينم عن أشياء أخرى، كما يقول المولعون بفرضيات المؤامرة والمخططات الشريرة لقوى خفية ممسكة بزمام الحوادث ونتائجها؟
الأرجح أن هناك سياقاً عاماً مركباً شديد التعقيد يتكون من العجز والفشل وسوء التقدير والألاعيب الماكرة الصغيرة، وهناك خطأ جوهري عميق يعتور سياسة الحرب منذ البداية.
أما المعركة في حجور، ومهما كانت نتيجتها، فإنها ليست سوى واحدة من أعراض ومفاعيل هذا العجز وهذا الفشل وهذا التيه اليمني الحزين.
وفي الحقيقة، فالقبيلة مهما ترسخت عاداتها التمردية، كما يقول البردوني، فإن عاداتها هذه "لا تمنعها من أن تنكسر وتستسلم أمام العنف المنظم المكلل بالسياسة، فقد دل التاريخ القبائلي على أن العشيرة الأشد تمرداً هي الأطول خضوعاً إذا غلبتها سلطة سياسية مسلحة".
واستشهد البردوني بقبيلة (بني أسد) التي قال إنها "تميزت بقتل ملوكها ورؤسائها، حتى أرعاهم لها من أمثال (الملك حجر) والد (امرؤ القيس) الشاعر، ثم خضعت هذه القبيلة أذل خضوع للملك (عمرو بن هند)، فلعلمه بشراستهم ألح عليهم بالقتل والقبض والسجن، بل نقلهم من مرابعهم في (نجد)، ثم أمر بنزولهم (تهامة)، حتى أصبحوا مثلاً في الذلة، كما أفصح شاعرهم عبيد بن الأبرص:
"أحللتهم نجداً وقد نزلوا على وجلٍ تهامهْ
أنت المليك عليهمُ وهمُ العبيد إلى القيامهْ"
وبصرف النظر عن موافقتنا أو اعتراضنا على فكرة البردوني، وما إن كان استشهاده بقبيلة بني أسد سليماً وصالحاً كأساس لنظرية دائمة، فهذا ليس هو الموضوع هنا. لعل الشاعر الكبير كان يرمي بالتحديد إلى القول إن القبيلة، كإطار اجتماعي محض، مهيأة للتحطم والانكسار بضغط من عنف منظم يصدر عن سلطة سياسية مسلحة. وقد ورد كلامه في معرض قراءته لانتفاضة قبيلة الزرانيق التهامية في عشرينات القرن الماضي، الانتفاضة التي انتهت بصعوبة بالغة بعد حملة عسكرية دموية نفذها سيف الإسلام أحمد بتكليف من والده الإمام يحيى حميد الدين.