منير اليمني

منير اليمني

الواقع الجنوبي المناوئ لهادي لم تصنعه الإمارات

Tuesday 16 April 2019 الساعة 09:15 am

▪رغم أن الحرب دخلت عامها الخامس، إلا أن الواقع اليمني الذي نجم عنها -شمالاً وجنوباً- لا يزال في علاقته مع النخبة السياسية القديمة، وخصوصاً المدعومة من التحالف السعودي باسم "الشرعية"، أشبه بعلاقة الزيت والماء: علاقة نبذ شامل من جهة الواقع الذي هو -وياللمفارقة- ثمرة خطابات وإيحاءات هذه النخبة الفاسدة وعديمة المصداقية!

ذلك أن هذا الواقع، في معظمه، هو التحقُّق العيني والمباشر لمجموع الأفكار والتصورات والخطابات التي دأبت قوى المعارضة (سابقاً) على استخدامها والإيعاز بها (تكتيكياً) خلال فترة حكم الرئيس صالح، إلى أن تمكنت من الإطاحة به، فإذا هي تريد -وقد انضم إليها أبرز رجال صالح، ومنهم هادي- أن تنثني عن أفكارها وتصوراتها وخطاباتها هذه، في الوقت الذي كانت فيه نخب جديدة ثانوية، وفاعلون من مستويات محلية، قد تشرَّبوا بعمق أفكار وتصورات وخطابات المعارضة، وما إن تهيأت لهم الفرص حتى قاموا فعلاً بتحويلها إلى مشاريع وحقائق على الأرض، وإن كان بطريقتهم الخاصة. شمالاً، على سبيل المثال، تحرك الحوثي عام 2014، وما تلاه من أعوام، لتحقيق ما فشل الإصلاح وتحالفه القبلي والعسكري في تحقيقه والحفاظ عليه بالآليات الثورية في 2011 والأعوام التالية له.. والحراك الجنوبي، بعد ذلك، راح هو الآخر يحقق الشيء الذي يعرف الجميع أن هادي وقيادات الاشتراكي يريدون يحتفظون به كورقة للتلويح بها واستثمارها سياسياً لكن دون أن يُقْدموا على تنفيذ فحواها عملياً: ورقة الجنوب وفك الارتباط.

والحاصل الآن أن الذين وافقوا، من حيث المبدأ، على "التحرّر" من الحوثي وقبله "التحرّر" من حكم صالح، بعقيدة الجنوب مثلاً، يريدون أن يحكموا الواقع المحرَّر بعقيدة سياسية أخرى.

منطق الأشياء يقول إن واقعاً كهذا لن يكون، على المدى القريب، جاهزاً البتّة لإيواء الطبقة السياسية نفسها التي، رغم أنها هي من أوحت به، كما أسلفنا، وهي من مهَّدت نظرياً وأخلاقياً لظهوره حين كان كثير منها في طور المعارضة، إذا بها، ما إن انتقلت إلى طور آخر، تنتظر من هذا الواقع أن يطاوعها وأن يعطيها زمامه بطيبة خاطر، لكن باسم عناوين وخطابات أخرى متباينة مع روحه، بل وتنطوي على إدانة فوقية له! 
وهذا بالطبع مستحيل منطقياً.

لا يمكن تصديق أن الأمر يتوقف فقط على رغبة إماراتية في نبذ هادي وفريقه ومنعهم من الإقامة في عدن.
هناك واقع جنوبي حقيقي تم إعداده وتهيئته لاحتضان النزعة السياسية التي يعبّر عنها الزبيدي والمجلس الانتقالي، وهي إحدى النزعات الرئيسية التي جرى تعبئتها وتسليحها وتوظيفها ل"تحرير" عدن والجنوب بدعم واطّلاع التحالف بقيادة السعودية.

الجميع يعلم أن المجلس الانتقالي ومعه التشكيلات العسكرية والفصائل المهيمنة في عدن ومحافظات الجنوب، جميعها مبنية على أساس الفكرة السياسية الجنوبية، أي أنه لا يربطها بفكرة الشرعية الدستورية للجمهورية اليمنية أي رابط. شرعية هادي تفتقر لأي قاعدة سياسية متماسكة على الأرض أو كتلة عسكرية منظمة تدين له بالولاء.

من الطبيعي أن تتقدم القوى الجديدة -التي تلقت الرعاية والتمويل من التحالف- لسد فراغ السلطة هناك كأمر واقع، أولاً، لأن هذه القوى تنسب لنفسها الفضل في مأثرة "التحرير"، وثانياً لأنها تبدو في تكوينها وخطابها أكثر شبهاً من هادي وشرعيته بالحاضر الجنوبي التي تمخضت عن الحرب. ومن الطبيعي أيضاً أن تقاوم احتمالات تهميشها تحت أي مسمى كان.

أما المغالاة في التركيز على الدور الإماراتي، فإنه نوع من خداع النفس. الدور الإماراتي موجود بلا شك، لكن واقع الجنوب المناوىء لهادي ليس من صنع الإمارات. دورها هناك ليس سوى تحصيل حاصل، وقد كان منذ البداية يصب في هذا الخط بتفويض سعودي وبشكل علني، ولم يكن الأمر يثر حفيظة أحد ممن يرفعون عقيرتهم بالصراخ هذه الأيام.

والقوم الذين اجتمعوا في سيئون وعزفوا النشيد الوطني، كانوا في موفنبيك بصنعاء قبل 5 سنوات.. هل سألوا أنفسهم: ما الذي ألقى بنا إلى سيئون وكيف توزعنا على فنادق وعواصم العالم؟

هناك أمور كثيرة تغيرت جذرياً نتيجة الحرب، في حين أن السفير السعودي يبدو وكأنه ما زال يفكر بعقلية عام 2014 عندما طلبت المملكة من هادي أن يعقد مصالحة بين الرئيس صالح والجنرال علي محسن الأحمر.

لا بد أن ثمة خطأً رهيباً، بل خطايا لم يقم أحد بمراجعتها حتى هذه اللحظة!