▪إلى ما قبل 26 مارس 2015، كان الحوثيون محترفين في استخدام كل ما تلقي به الظروف في طريقهم من قضايا وذرائع. كانت الفرص تأتيهم فرادى الواحدة تلو الأخرى، ولم يكونوا ليتركوها تذهب دون استغلال يقطعون به شوطاً في رحلتهم التدميرية. وبدءاً من حربهم مع السلفيين في دماج بذريعة إخراج المسلحين والطلاب الأجانب، وصولاً إلى الاستيلاء على العاصمة الذي نفذوه تحت ذريعة متعددة الرؤوس: إسقاط الجرعة السعرية والإطاحة بحكومة الإصلاح المؤلفة في الأساس بموجب المبادرة الخليجية مناصفة بين حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك. وفي ثنايا هذه الذريعة نبتت ذرائع وتداعيات، وتشعبت الأهداف الأخرى التي في الظل، ومنها ضرب ما كان يسمي بالجناح العسكري للإصلاح في صنعاء. وإلى جانب عوامل داخلية أخرى، كان المناخ الإقليمي الذي أشاعه سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر يوحي للحوثيين بالمضي قدماً في تسديد ضربتهم على الإصلاح وحلفائه.
ثم ما إن دخلوا إلى صنعاء حتى برز للحوثيين هدف آخر هو محاربة الإرهاب دفاعاً عن النفس بعد تفجيرات دامية استهدفت تجمعات الحوثيين ومساجدهم، إلى جانب سلسلة اغتيالات أودت بحياة عدد من قياداتهم أو مقربين منهم. وكانت حجتهم أن الدولة بجيشها المنقسم وجهازها الأمني المتخلخل عاجزة عن حمايتهم من الجماعات المتطرفة.
وحتى تحركهم العسكري باتجاه عدن، التي كان قد فر إليها الرئيس هادي، كان تحت هذه الذريعة "الانتقام من تنظيم القاعدة" بعد هجمات تعرضت لها مساجد محسوبة على الحوثيين في صنعاء. وهو ما يعني أن الوحدة لم تكن هي الهدف الرئيسي المعلن لذلك التحرك، وإن كانت موجودة ضمنياً بطبيعة الحال.
مع انطلاق التدخل العسكري بقيادة السعودية، وجد الحوثيون في الحدث قضية القضايا: الدفاع عن الوطن ضد عدوان خارجي. وقد وفرت لهم هذه القضية منفذاً كبيراً لمزيد من التقارب مع الرئيس السابق صالح وحزبه (لأن صالح كان هدفاً رئيسياً للضربات الجوية للتحالف)، واستحسن الحوثيون أول الأمر مشاركة صالح لهم في تبني القضية على المستوى السياسي والدعائي قبل أن يهاجموه لاحقاً ويقتلوه بحجة كيدية تشير إلى خيانته لها.
الشاهد هو أنه منذ 26 مارس 2015، بات "التصدي" للتدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية هو القضية المرجعية العليا التي يستند إليها الحوثيون رسمياً في شرعنة وتبرير سلطتهم في المجال الجغرافي والاجتماعي الذي يسيطرون عليه. وفي حال أوقف التحالف السعودي عملياته نهائياً، لا يبدو أن لدى الحوثيين قضية مرجعية بديلة بهذا الوزن الذي تمتاز به قضية القتال باسم "السيادة" ضد "العدوان الخارجي"، وفقاً للتسمية التي يطلقونها على التدخل بقيادة السعودية. هذه القضية أتاحت لهم السيطرة على المجتمع، وتأجيل كل التناقضات الممكنة، فبموجبها جرت عمليات التعبئة الرسمية للمجتمع، واستناداً إليها جرى إنزال العقاب أو منح العفو.
صحيح أن الإمامة أو ما يسمونها "الولاية" هي نقطة ارتكاز مشروعهم السياسي، لكن هذه القضية لم تتحول رسمياً إلى المبدأ المعلن الذي ينظم علاقتهم بالمجتمع الواقع تحت حكمهم. لا يزالون يمارسون السلطة باسم مواجهة "العدوان"، هذا هو الشيء المصرح به حتى الآن. عدا ذلك، فهم ما زالوا مثلاً يقولون نحن جمهوريون، مع إنهم يناقضون هذا الادعاء على أرض الواقع. وإذا قرروا مؤاخذة أحد فلا بد أن يبرروا ذلك بأي حجة أو شبهة -حقيقية أو كيدية- تربطه ب"العدوان" والخيانة للوطن... إلخ..
وعبدالملك الحوثي يلقبونه "قائد الثورة"، لكن لم يلقب بـ"الإمام"، وفقاً للتقليد الزيدي الهادي. فهل يريدونه "قائد ثورة" بالمعنى الخميني لهذا اللقب أم على طريقة القذافي؟ أم لا هذا ولا ذاك؟
وهل الحالة الخمينية أو القذافية تتناسب مع اليمن أصلاً؟!
▪إلى ما قبل 26 مارس 2015، كان الحوثيون محترفين في استخدام كل ما تلقي به الظروف في طريقهم من قضايا وذرائع. كانت الفرص تأتيهم فرادى الواحدة تلو الأخرى، ولم يكونوا ليتركوها تذهب دون استغلال يقطعون به شوطاً في رحلتهم التدميرية. وبدءاً من حربهم مع السلفيين في دماج بذريعة إخراج المسلحين والطلاب الأجانب، وصولاً إلى الاستيلاء على العاصمة الذي نفذوه تحت ذريعة متعددة الرؤوس: إسقاط الجرعة السعرية والإطاحة بحكومة الإصلاح المؤلفة في الأساس بموجب المبادرة الخليجية مناصفة بين حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك. وفي ثنايا هذه الذريعة نبتت ذرائع وتداعيات، وتشعبت الأهداف الأخرى التي في الظل، ومنها ضرب ما كان يسمي بالجناح العسكري للإصلاح في صنعاء. وإلى جانب عوامل داخلية أخرى، كان المناخ الإقليمي الذي أشاعه سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر يوحي للحوثيين بالمضي قدماً في تسديد ضربتهم على الإصلاح وحلفائه.
ثم ما إن دخلوا إلى صنعاء حتى برز للحوثيين هدف آخر هو محاربة الإرهاب دفاعاً عن النفس بعد تفجيرات دامية استهدفت تجمعات الحوثيين ومساجدهم، إلى جانب سلسلة اغتيالات أودت بحياة عدد من قياداتهم أو مقربين منهم. وكانت حجتهم أن الدولة بجيشها المنقسم وجهازها الأمني المتخلخل عاجزة عن حمايتهم من الجماعات المتطرفة.
وحتى تحركهم العسكري باتجاه عدن، التي كان قد فر إليها الرئيس هادي، كان تحت هذه الذريعة "الانتقام من تنظيم القاعدة" بعد هجمات تعرضت لها مساجد محسوبة على الحوثيين في صنعاء. وهو ما يعني أن الوحدة لم تكن هي الهدف الرئيسي المعلن لذلك التحرك، وإن كانت موجودة ضمنياً بطبيعة الحال.
مع انطلاق التدخل العسكري بقيادة السعودية، وجد الحوثيون في الحدث قضية القضايا: الدفاع عن الوطن ضد عدوان خارجي. وقد وفرت لهم هذه القضية منفذاً كبيراً لمزيد من التقارب مع الرئيس السابق صالح وحزبه (لأن صالح كان هدفاً رئيسياً للضربات الجوية للتحالف)، واستحسن الحوثيون أول الأمر مشاركة صالح لهم في تبني القضية على المستوى السياسي والدعائي قبل أن يهاجموه لاحقاً ويقتلوه بحجة كيدية تشير إلى خيانته لها.
الشاهد هو أنه منذ 26 مارس 2015، بات "التصدي" للتدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية هو القضية المرجعية العليا التي يستند إليها الحوثيون رسمياً في شرعنة وتبرير سلطتهم في المجال الجغرافي والاجتماعي الذي يسيطرون عليه. وفي حال أوقف التحالف السعودي عملياته نهائياً، لا يبدو أن لدى الحوثيين قضية مرجعية بديلة بهذا الوزن الذي تمتاز به قضية القتال باسم "السيادة" ضد "العدوان الخارجي"، وفقاً للتسمية التي يطلقونها على التدخل بقيادة السعودية. هذه القضية أتاحت لهم السيطرة على المجتمع، وتأجيل كل التناقضات الممكنة، فبموجبها جرت عمليات التعبئة الرسمية للمجتمع، واستناداً إليها جرى إنزال العقاب أو منح العفو.
صحيح أن الإمامة أو ما يسمونها "الولاية" هي نقطة ارتكاز مشروعهم السياسي، لكن هذه القضية لم تتحول رسمياً إلى المبدأ المعلن الذي ينظم علاقتهم بالمجتمع الواقع تحت حكمهم. لا يزالون يمارسون السلطة باسم مواجهة "العدوان"، هذا هو الشيء المصرح به حتى الآن. عدا ذلك، فهم ما زالوا مثلاً يقولون نحن جمهوريون، مع إنهم يناقضون هذا الادعاء على أرض الواقع. وإذا قرروا مؤاخذة أحد فلا بد أن يبرروا ذلك بأي حجة أو شبهة -حقيقية أو كيدية- تربطه ب"العدوان" والخيانة للوطن... إلخ..
وعبدالملك الحوثي يلقبونه "قائد الثورة"، لكن لم يلقب بـ"الإمام"، وفقاً للتقليد الزيدي الهادي. فهل يريدونه "قائد ثورة" بالمعنى الخميني لهذا اللقب أم على طريقة القذافي؟ أم لا هذا ولا ذاك؟
وهل الحالة الخمينية أو القذافية تتناسب مع اليمن أصلاً؟!